شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام ، فأجيبوني تملكوا بها العرب ، وتدين لكم العجم ، وتكونوا ملوكا في الجنّة ، فاستهزءوا منه ، وقالوا : جنّ محمّد بن عبد الله ، ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب » (١) .
وعن الصادق عليهالسلام : « اكتتم رسول الله صلىاللهعليهوآله [ بمكة ] مختفيا خائفا خمس سنين لم يظهر أمره وعليّ عليهالسلام معه وخديجة ، ثمّ أمره الله أن يصدع بما أمر [ به ] فظهر وأظهر أمره » (٢) .
وفي رواية : « ثمّ أمره الله أن يصدع بما يؤمر ، فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب ، فإذا أتاهم قالوا : كذّاب امض عنّا » (٣) .
﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ
السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٧) و (٩٩)﴾
ثمّ لمّا أشار الله سبحانه إلى جسارة القوم على نبيّه صلىاللهعليهوآله (٤) وحبيبه وضيق صدره بمقتضى الطبيعة البشرية ، سلّاه بقوله : ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ﴾ ويحزن قلبك ﴿بِما يَقُولُونَ﴾ من التكذيب والاستهزاء والإهانه ، فانّ الالتفات الى أن المصائب بعين الله ومرآه من أقوى التسليات للمؤمن.
عن الصادق عليهالسلام : « عليك بالصبر في جميع امورك ، فانّ الله عزوجل بعث محمّدا صلىاللهعليهوآله فأمره بالصبر والرّفق ... فصبر حتى نالوه بالعظائم ورموه بها ، فضاق صدره ، فأنزل الله عزوجل [ عليه ] : ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ﴾(٥) .
ثمّ أمره الله بذكره الموجب لاطمئنان القلب ، والاستغراق في أنوار الربوبية ، والانصراف عن الدنيا ومصائبها بقوله : ﴿فَسَبِّحْ﴾ الله مقرنا له ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ وثنائه ﴿وَكُنْ مِنَ﴾ جملة ﴿السَّاجِدِينَ﴾ والمبالغين في الخضوع له ، أو من المصلين ، فانّ الفزع إلى الله بالسجود والصلاة يقرع الهمّ ويكشف الكرب ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ﴾ على أيّ حال كنت ﴿حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ والموت ، عن ابن عبّاس (٦) ، ولا تكن في آن من آنات عمرك متوانيا في القيام بوظائف العبودية.
الحمد لله الذي وفّقني لإتمام تفسير [ سورة ] الحجر.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٧٩ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٤.
(٢) كمال الدين : ٣٤٤ / ٢٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٢.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ٤٤٠ / ٢٣٦٠ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٢.
(٤) في النسخة : جسارة القوم بنبيّه.
(٥) الكافي ٢ : ٧٢ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٤.
(٦) مجمع البيان ٦ : ٥٣٤ ، تفسير الرازي ١٩ : ٢١٦.