ولا تبال بكيد الأعداء ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ ولا تعتن بهم ﴿إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ بك وبكتابك ﴿الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ سوء عاقبة شركهم في الدارين.
قيل : كان المستهزئون بالنبيّ صلىاللهعليهوآله خمسة نفر من المشركين : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وعديّ بن قيس ، والأسود بن المطّلب ، والأسود بن عبد يغوث. قال جبرئيل لرسول الله صلىاللهعليهوآله : أمرت أن أكفيكهم ، فأومأ إلى عقب الوليد فمرّ بنبّال فتعلّق بثوبه سهم ، فلم ينعطف تعظّما لأخذه ، فأصاب عرقا في عقبه فقطعه فمات ، وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل فدخلت فيها شوكة ، فقال : لذغت لدغت ، فانتفخت رجله حتّى صارت كالرّحا ومات ، وأشار إلى عيني الأسود بن المطّلب فعمي ، وأشار إلى أنف عديّ بن قيس فأمتخط قيحا فمات ، وأشار إلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة ، فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات (١) .
وقال بعض العامة : إنّ الآيات نزلت في خمسة نفر ذوي شأن وخطر ، كانوا يبالغون في إيذاء رسول الله صلىاللهعليهوآله والاستهزاء به ، فأهلكهم الله في يوم واحد ، وكان إهلاكهم قبل بدر : منهم العاص بن وائل السّهمي والد عمرو بن العاص ، كان يخلج (٢) خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله بأنفه وفمه ويسخر به ، فخرج في يوم مطير على راحلته مع ابنين له ، فنزل شعبا من تلك الشّعاب ، فلمّا وضع قدمه على الأرض قال : لدغت ، فطلبوا فلم يجدوا شيئا ، فانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير ، فمات مكانه ، ومنهم الحارث بن قيس ، أكل حوتا مالحا فأصابه العطش الشديد ، فلم يزل يشرب الماء حتى انقدّ - أي انشقّ - بطنه ، فمات في مكانه ، ومنهم الأسود بن المطلب ، خرج مع غلام له فأتاه جبرئيل وهو قاعد في أصل شجرة ، فجعل جبرئيل ينطح رأسه على الشجرة ، وكان يستغيث بغلامه ، فقال غلامه : لا أرى أحد يصنع بك شيئا غير نفسك ، فمات مكانه ، وكان هو وأصحابه يتغامزون بالنبيّ صلىاللهعليهوآله واصحابه ويصغرون إذا رأوه ، ومنهم الأسود بن عبد يغوث خرج من أهله فأصابه السّموم (٣) [ فاسودّ ] حتى صار كالفحم ، فأتى أهله فلم يعرفوه ، فأغلقوا دونه الباب ولم يدخلوه دارهم حتى مات (٤).
قيل : إنّه كان إذا رأى المسلمين قال لأصحابه استهزاء بالصحابة : قد جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون كسرى وقيصر ؛ وذلك لأنّ ثيابهم رثّه وعيشهم خشن. ومنهم الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد [ وعم أبي جهل ] خرج يتبختر في مشيته حتى وقف على رجل يعمل السّهام ، فتعلق سهم في ثوبه ، فلم ينقلب لينحيّه تعظّما ، فأخذ طرف ردائه ليجعله على كتفه فأصاب السهم أكحله (٥) فقطعه ، ثمّ
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ٢١٥.
(٢) خلج الشيء : حرّكه.
(٣) السموم : الريح الحارة.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٤٩١.
(٥) الأكحل : وريد في وسط الذراع.