وقيل : إنّ المراد لا تحزن على أتباعك ومصدّقيك لفقرهم (١)﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ﴾ وتواضع بنفسك ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ بك المطيعين لأحكام ربك ، وإن كانوا أفقر الناس ، فانّ تواضعك لهم أطيب لقلوبهم من ظفرهم بما يحبّون من الدنيا ﴿وَقُلْ﴾ للناس : ﴿إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ﴾ من عذاب الله ببيان أحكامه وشدّة عقابه على عصيانه ﴿الْمُبِينُ﴾ والموضّح لكم جميع ما أبلغكم ، وما يتعلّق بالمبدأ والمعاد ، وقل للمشركين : إنا ننزّل عليكم العذاب ﴿كَما أَنْزَلْنا﴾ من العذاب ﴿عَلَى﴾ اليهود ﴿الْمُقْتَسِمِينَ﴾ للقرآن بجعل ما وافق التوراة منه حقا ، وما لم يوافقه باطلا ، كما عن ابن عبّاس (٢) .
وقيل : اقتسامه بأن قال بعضهم استهزاء بالقرآن : هذه السورة لي ، وقال الآخر : هذه السورة لي ، أو قال بعضهم : إنّه سحر. وقال آخر : إنّه شعر ، وقال ثالث : إنّه كذب ، وقال رابع : إنّه أساطير. وقيل : إن المقتسمين قوم ثمود ، فانّهم تقاسموا لنبيّتنّه وأهله (٣) .
وعن ابن عباس بنقل آخر : هم الذين اقتسموا طريق مكّة يصدّون الناس عن الإيمان ، ويقرب عددهم من أربعين (٤) .
وقيل : كانوا ستة عشر [ رجلا ] بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ، فاقتسموا عقبات مكة وطرقها ، ويقولون لمن يسلكها : لا تغترّوا بالخارج منّا والمدّعي للنبوة فانه مجنون ، وكانو ينفّرون الناس عنه صلىاللهعليهوآله بأنّه ساحر أو كاهن أو شاعر ، والمعنى أنذرتكم مثل ما نزل بالمقتسمين (٥) ؛ وهم ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ وجزّءوه إلى سحر وشعر وكهانة وأساطير.
وعنهما عليهماالسلام ، قالا : « هم قريش » (٦) . وقيل : يعني مفترى (٧) .
﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ
عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٢) و (٩٦)﴾
ثمّ هدّدهم بقوله : ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ سؤال توبيخ وتقريع ﴿عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من تكذيب الرسول والاستهزاء بكتابه.
ثمّ أمر الله نبيه صلىاللهعليهوآله بترك المبالاة بالكفّار بقوله : ﴿فَاصْدَعْ﴾ واشتغل ﴿بِما تُؤْمَرُ﴾ من التبليغ جهارا ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٤٨٧.
(٢) تفسير الرازي ١٩ : ٢١٢ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٨٩.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ٢١٢.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ٢١١.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ٢١١.
(٦) تفسير العياشي ٢ : ٤٣٩ / ٢٣٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٢.
(٧) تفسير الرازي ١٩ : ٢١٣.