وأخبر أمّته أنّا لا نفترق حتّى نرد [ عليه ] حوضه (١) .
روي أنّ سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات - ليهود قريظة وأذرعات (٢) والنّضير - في يوم واحد مكة ، فيها أنواع من البزّ وأفاويه (٣) الطّيب والجوهر وأمتعه البحر. فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها وأنفقناها في سبيل الله ، فنزلت. وقال : قد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع قوافل (٤) .
وقيل : لمّا وردت قوافل قريش بمكة ، وكانت فيها مطاعم وملابس كثيرة ، خطر في قلب النبي صلىاللهعليهوآله أنّ المؤمنين جياع عراة ويكون للمشركين هذه الأموال الكثيرة فنزلت (٥) .
﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ
جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ * كَما أَنْزَلْنا عَلَى
الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٨٨) و (٩١)﴾
ثمّ لمّا عرّف الله نبيه صلىاللهعليهوآله أعظم نعمه عليه ، نهاه عن الرغبة فيما بأيدي الناس من الأمتعة الدنيوية الفانية بقوله : و﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ ولا تلتفت بقلبك ﴿إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ﴾ من زخارف الدنيا وحطامها أصنافا من الكفّار و﴿أَزْواجاً مِنْهُمْ﴾ كاليهود والنصارى والمجوس والمشركين بعد ما أنعمنا عليك بالرسالة والعلم والحمكة والقرآن من النّعم التي عندها يستحقر جميع عالم الوجود.
عن ابن عباس : أي لا تتمنّ ما فضّلنا به أحدا من متاع الدنيا (٦) .
روي أنه صلىاللهعليهوآله نظر إلى نعم بني المصطلق وقد عبست في أبوالها وأبعارها فتقنّع وقرأ هذه الآية (٧) .
قيل : معنى عبست [ في أبوالها وأبعارها : هو ] أن تجفّ أبوالها وأبعارها على أفخادها إذا تركت من العمل [ أيام الربيع ، فتكثر ] شحومها ولحومها (٨) .
وروي أنّه صلىاللهعليهوآله لا ينظر إلى ما يستحسن من [ متاع ] الدنيا (٩) .
ثمّ أنّه تعالى بعد النهي عن الالتفات إلى أموال الكفّار ، نهاه عن الالتفات إلى أنفسهم بقوله : ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ إذا لم يؤمنوا ، ولا يكن لهم في قلبك قدر ومنزلة.
__________________
(١) التوحيد : ١٥١ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٠.
(٢) ( وأذرعات ) ليست في المصادر.
(٣) البزّ : نوع من الثياب ، والأفاويه : نوافج الطيب ، والنوافج : الأوعية التي يوضع فيها الطيب. وقيل : الأفاويه : تطلق على ما يعالج به الطيب ، كما أن التوابل ما يعالج به الأطعمة.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ٢١٠ ، تفسير البيضاوي ١ : ٥٣٥ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٨٦.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٤٨٦.
( ٦و٩ ) تفسير الرازي ١٩ : ٢١٠.