عن ابن عباس : الأيكة شجر المقل (١) .
وقيل : إنّ الأيكة اسم مكان آخر غير مدين كثير الأشجار ، كانوا يسكنونها ، فبعث الله إليهم شعيب كما بعثه إلى مدين فكذّبوه (٢)﴿فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ﴾ وعاقبناهم على تكذيبهم شعيبا.
قيل : أهلك الله أهل مدين بالصيحة ، وأهل الأيكة بالنّار ، وذلك أنّ الله أرسل عليهم حرّا شديدا سبعة أيام ، فخرجوا ليستظلّوا بالشجر من شدّة الحرّ ، فجاءت ريح سموم بنار فأحرقتهم (٣) .
وقيل : بعث الله سحابة فالتجأوا إليها يلتمسون الرّوح ، فبعث الله عليهم منها نارا فأحرقتهم ، فهو عذاب يوم الظلّة (٤) .
وقيل : لمّا ذكر الله الأيكة ، دلّ بذكرها على مدين ، فجاء بضميرهما (٥) بقوله : ﴿وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ﴾ وطريق واضح لكم وللناس ، تمرون عليهما وترون آثار العذاب فيهما. وقيل : إنّ ضمير التثنية راجع إلى سدوم والأيكة (٦) .
﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها
مُعْرِضِينَ * وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ
مُصْبِحِينَ * فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٠) و (٨٤)﴾
[ ثمّ ] ذكر الله قصّة قوم صالح بقوله : ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ﴾ وهم قوم ثمود ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾
قيل : الحجر اسم واد كانوا يسكنونه (٧) . وإنّما نسب سبحانه إليهم تكذيب جميع المرسلين ؛ لأنّ تكذيبهم صالحا تكذيب لجميع الرسل ، ولأنّهم كانوا من البراهمة المنكرين لجميع الرسل ، أو لأنّ المراد بالمرسلين جنس الرسل لا جميع أفرادهم ، كما يقال لمن أهان عالما : إنك موهن العلماء.
ثمّ ذمّهم سبحانه بذنب أعظم من تكذيب الرسل بقوله : ﴿وَآتَيْناهُمْ﴾ وأريناهم ﴿آياتِنا﴾ الكثيرة التي كانت في الناقة من خروجها من الصخرة ، وعظم جثّتها وظهور فصيلها عند خروجها ، وكثرة شربها ولبنها ﴿فَكانُوا عَنْها﴾ وعن النظر والتفكّر في جهات إعجازها ﴿مُعْرِضِينَ﴾ وبها غير معتنين.
﴿وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً﴾ ومساكن لأنفسهم حال كونهم ﴿آمِنِينَ﴾ من العذاب لغاية غفلتهم واغترارهم ، أو من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لغاية استحكامها ﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ٢٠٤.
( ٢و٤ ) تفسير روح البيان ٤ : ٤٨١.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ٢٠٤.
(٦) تفسير أبي السعود ٥ : ٨٧.
(٧) تفسير الرازي ١٩ : ٢٠٥ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٨٧.