بأوليائه ، وإنما الانتفاع ﴿لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ والمتفرّسين ، ومن له ذكاء وجودة ذهن ، فانّهم يستنبطون كثيرا من العلوم والمعاني الدقيقة من المحسوسات والماديات (١) .
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « اتقوا فراسة المؤمن ، فانّه ينظر بنور الله ، وينطق بتوفيق الله » (٢) .
وعنه عليهالسلام - في رواية - « أنّ لله عبادا يعرفون الناس بالتوسّم » ثمّ قرأ هذه الآية (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام في هذه الآية : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله المتوسّم ، وأنا من بعده ، والأئمّة من ذريّتي المتوسّمون » (٤) .
وعنه أيضا ، في هذه الآية : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أتقّوا فراسة المؤمن » (٥) .
وعنه عليهالسلام : « ليس مخلوق إلّا وبين عينية مكتوب ، [ أنّه ] مؤمن أو كافر ، وذلك محجوب عنكم ، وليس محجوبا عن الأئمّة من آل محمّد عليهمالسلام » (٦) .
﴿وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * وَإِنْ كانَ أَصْحابُ
الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ * فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٦) و (٧٩)﴾
ثمّ استشهد سبحانه بوجود بلادهم وآثارهم بقوله : ﴿وَإِنَّها﴾ والله ﴿لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ وطريق ثابت يسلكه النّاس في مسافرتهم من مكة إلى الشام ، ويرون آثار تلك البلاد ، فانّها لم تندرس بعد ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من وجود آثارها والله ﴿لَآيَةً﴾ وعظة وهداية ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ بالله ورسوله ، فانّهم الذين يعرفون أنّ ما حاق (٧) بهم من العذاب الذي ترك ديارهم بلاقع (٨) ، إنّما كان لسوء صنيعهم وطغيانهم على الله ورسوله.
ثمّ ذكر سبحانه قصة هلاك قوم شعيب بقوله : ﴿وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالكفر وتكذيب الرسول.
قيل : إنّ الأيكة ومدين واحد (٩) ، فانّ أطراف مدين كانت أرض ذات أشجار كثيرة ملتفّة بعضها ببعض ، وكانت عامة شجرهم المقل (١٠) .
__________________
(١) في النسخة : العاديات.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٤٨١.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٥٢٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١١٨.
(٤) الكافي ١ : ١٧٠ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ١١٨.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ٤٣٥ / ٢٣٤١ ، الكافي ١ : ١٧٠ / ٣ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٨١ ، تفسير الصافي ٣ : ١١٨.
(٦) بصائر الدرجات : ٣٧٤ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ١١٨.
(٧) في النسخة : حلق ، والذي أثبتناه من روح البيان ٤ : ٤٨٠.
(٨) أي خالية من كلّ شيء.
(٩) تفسير روح البيان ٤ : ٤٨١.
(١٠) المقل : حمل الدّوم ، وهو يشبه النّخل.