مع ذلك ﴿الصَّيْحَةُ﴾ التي صاح بها جبرئيل حال كونهم ﴿مُصْبِحِينَ﴾ بسبب تكذيبهم صالحا ، وإعراضهم عن الآيات ﴿فَما أَغْنى﴾ ولم ينفع في دفع العذاب ﴿عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ويحصّلون من البيوت الوثيقة والأموال الوفيرة والعدد المتكاثرة.
﴿وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ
فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٥) و (٨٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر ابتلاء الامم الماضية بالعذاب ، نبّه على المعاد الذي عذاب الكفار فيه أشدّ مع الدليل القاطع بقوله : ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا﴾ خلقا متلبّسا ﴿بِالْحَقِ﴾ والحكمة البالغة المستلزمة للمعاد ، وإلّا كان خلقهما عبثا ولعبا ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ﴾ والقيامة التي تجزى فيها الناس على قدر أعمالهم ، والله (١)﴿لَآتِيَةٌ﴾ فلا ينحصر عذاب العصاة بما ينزل بهم في الدنيا ، فإنّه بالنسبة إلى ما أعدّ لهم في القيامة كنسبة لا شيء إلى كلّ شيء ، فاذا كان كذلك فلا تحزن يا محمّد بتأخير العذاب عن قومك مع كونهم مكذّبيك ، فانّ الله سينتقم من أعدائك ويجازيهم أسوأ الجزاء على إساءتهم إليك ﴿فَاصْفَحِ﴾ وأعرض عنهم ﴿الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ والإعراض المقرون بالحلم واحتمال آذاهم ولا تعجل في الانتقام منهم ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ اللطيف بك ﴿هُوَ الْخَلَّاقُ﴾ لك ولأعدائك ولسائر الموجودات ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأحوالهم وأعمالهم وأحوالك ومعاملتك معهم من مكابدتهم ، والصبر على إساءتهم ، والصّفح عنهم ، فيجازيهم بأشدّ العذاب ، ويكرمك بأعلى الكرامات ويفضّلك على العالمين بأفضل المثوبات ، كما أكرمك في الدنيا بالنبوة ، وفضلك على العالمين بأن ختم بك الرسالة.
﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)﴾
ثم نبّه سبحانه بأفضل مننه عليه بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ﴾ يا محمّد ، وأنزلنا عليك ﴿سَبْعاً مِنَ﴾ الآيات ﴿الْمَثانِي﴾ وهي فاتحة الكتاب ﴿وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ الشأن.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنّ الله قال لي : يا محمّد ، ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن العظيم » (٢) .
__________________
(١) لا موضع للقسم في الآية.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٣٠٢ / ٦٠ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٠.