تحامي أحدا من ﴿الْعالَمِينَ﴾
قيل : إنّ التقدير ألم نقدم إليك ولم ننهك عن أن تمنع الغرباء عن تعرّضنا لهم (١) . ﴿قالَ﴾ لوط: ﴿هؤُلاءِ﴾ النسوة ﴿بَناتِي﴾ فتزوّجوهنّ وانصرفوا عن التعرّض لأضيافي ﴿إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ وطالبين لقضاء الشهوة ، فاقضوها فيما أحلّ الله لكم دون ما حرّم.
قيل : إنّ القوم كانوا يخطبون بناته ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفايتهم (٢) .
وقيل : إنّ المراد بنات القوم ، وأضافهنّ إلى نفسه لكون بنات الامّة بمنزلة بنات نبيها (٣) .
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنا
عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ
لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٢) و (٧٥)﴾
ثمّ بيّن الله غاية شقاوتهم بقوله : ﴿لَعَمْرُكَ﴾ وحياتك يا حبيبي محمّد قسمي ﴿إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ﴾ وشدّة شهوتهم التي أزالت عقولهم ، وفي غاية شقاوتهم وغوايتهم التي أعمتهم عن رؤية طريقة الرشد والصلاح ﴿يَعْمَهُونَ﴾ ويتحيّرون ، فلم يؤثّر فيهم النّصح والارشاد إلى البنات أطيب من البنين ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ التي صاح بها جبرئيل حال كونهم ﴿مُشْرِقِينَ﴾ وداخلين في وقت طلوع الشمس.
قيل : كان ابتداء العذاب - وهو قلع جبرئيل الأرض بهم ورفعها إلى السماء - أول الصبح ، ثمّ هوى بها إلى الأرض ، وكان ختمه - وهو الصيحة - أول طلوع الشمس (٤) .
﴿فَجَعَلْنا﴾ بعد قلع البلاد الخمسة أو السبعة ورفعها إلى قريب من السماء على جناح جبرئيل وقلبها عليهم ﴿عالِيَها سافِلَها﴾ وسافلها عاليها ، لكون هذا النحو من القلب أدخل في الهول والفضاعة ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ من حين الرفع إلى تمام الانقلاب ﴿حِجارَةً﴾ كائنة ﴿مِنْ سِجِّيلٍ﴾ وطين متحجّر عليه اسم من رمى به على ما قيل (٥) . فهلكوا بأنواع من العذاب : الخسف والامطار بالحجارة والصيحة ، وقيل : إنّ مطر الحجارة كان على الغائبين من تلك البلاد (٦)﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من عصيان القوم لوطا وطغيانهم على الله وهلاكهم بعذاب الاستئصال وإنجاء لوط وأهله والله ﴿لَآياتٍ﴾ وأدلّة واضحة على وحدانية الله وكمال قدرته وعظمته ، وقهره على أعدائه ، ولطفه
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ٨٥ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٧.
(٢) تفسير أبي السعود ٥ : ٨٦ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٨.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ٢٠٢ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٨٦.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٩.
(٥ و٦) تفسير روح البيان ٤ : ٤٨٠.