قيل : إنّ النهي عن الالتفات كناية عن سرعة السير لاستلزام الالتفات الوقوف أو التواني (١) ، أو عن إيجاب التوطين على الهجرة ، أو عن قطع العلاقة عمّا خلّفوه ، أو عن الانصراف والتخلّف.
﴿وَامْضُوا﴾ واذهبوا إلى ﴿حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ من جانب الله بالمضيّ والذّهاب إليه.
عن ابن عباس : يعني الشام (٢) . وقيل : يعني مصر (٣) . وقيل : يعني حيث يقول لكم جبرئيل ، فانّه أمرهم ان يمضوا الى قرية قريبة لم يعمل أهلها مثل عمل أولئك القوم (٤) .
﴿وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ * وَجاءَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللهَ وَلا
تُخْزُونِ * قالُوا أَ وَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ * قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ
فاعِلِينَ (٦٦) و (٧١)﴾
ثمّ أخبر الله تعالى بأنّه بعد إخبار الملائكة لوطا بإهلاك قومه ، أوحى سبحانه إليه بلا واسطة الملك بتعذيب قومه بقوله : ﴿وَقَضَيْنا﴾ وأوحينا ﴿إِلَيْهِ﴾ بنحو البتّ ﴿ذلِكَ الْأَمْرَ﴾ الذي أخبرته الرسل به في شأن قومه ، وهو ﴿أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ﴾ الكفرة وعقبهم ﴿مَقْطُوعٌ﴾ بحيث لا يبقى منهم أحد بعذاب الاستئصال حال كونهم ﴿مُصْبِحِينَ﴾ ووقت دخول الصبح عليهم.
ثمّ قيل : إنّ امرأة لوط أخبرت أهل سدوم (٥) بقدوم أضياف على لوط جرد مرد في غاية الحسن والجمال (٦)﴿وَ﴾ لذا ﴿جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾ إلى باب منزل لوط وهم ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ ويخبر بعضهم بعضا بأنّه نزل على لوط أضياف مرد وضاء الوجوه ، فلمّا أتوه وسألوه أن يسلّم إليهم أضيافه ليرتكبوا الفاحشة ﴿قالَ﴾ لوط : يا قوم ﴿إِنَّ هؤُلاءِ﴾ الشباب ﴿ضَيْفِي﴾ والنازلون عليّ في بيتي ﴿فَلا تَفْضَحُونِ﴾ بتفضيحهم ، ولا تبتلوني بالعار بالاساءة إليهم ، وعمل الفاحشة بهم ، فانّ من أهين ضيفه فقد اهينت نفسه.
﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ وخافوه في الاساءة إليّ والى ضيفي ، وفي ارتكاب الفحشاء بهم ﴿وَلا تُخْزُونِ﴾ ولا تذللوني ولا تخجلوني عندهم بارتكاب الفعلة الشّنيعة بهم ﴿قالُوا﴾ يا لوط ﴿أَ وَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ﴾ أن
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ٨٤ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٦.
(٢) تفسير الرازي ١٩ : ٢٠١ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٦.
(٣) تفسير البيضاوي ١ : ٥٣٣ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٦.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ٢٠١.
(٥) سدوم : مدينة من مدائن قوم لوط ، كان قاضيها يقال له سدوم.
(٦) تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٧.