والصواب ، فانّهم الذين لا يعرفون سعة رحمة الله وكمال قدرته وحكمته ولطفه بعباده ، فنفي عن نفسه القنوط بأبلغ وجه ، وبيّن أنّ مقاله كان استعظاما لهذه النعمة الخارقة للعادة ، ثمّ لمّا عرف إبراهيم عليهالسلام أنّهم ملائكة أرسلوا لأمر عظيم ﴿قالَ فَما خَطْبُكُمْ﴾ وما شأنكم ﴿أَيُّهَا﴾ الملائكة ﴿الْمُرْسَلُونَ ؟﴾
قيل : إنّه علم من كثرتهم وبشارتهم لرفع خوفه أنّهم ارسلوا لأمر آخر غير البشارة (١)﴿قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا﴾ من قبل الله ﴿إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ كي نهلكهم بالعذاب لتناهيهم في الإجرام والطّغيان ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ﴾ وأهله المؤمنين ﴿إِنَّا﴾ والله ﴿لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ممّا يصيب قومه من العذاب ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾ [ واسمها ] واهلة - كما قيل (٢) - فانّ ربّك قال : إنّا ﴿قَدَّرْنا﴾ وقضينا ﴿إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ﴾ والباقين في المدينة مع الكفار ، فيصيبها ما يصيبهم من العذاب لشركتها معهم في الكفر وإيذاء لوط.
﴿فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما
كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ
اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦١) و (٦٥)﴾
﴿فَلَمَّا جاءَ﴾ لوطا و﴿آلَ لُوطٍ﴾ الملائكة ﴿الْمُرْسَلُونَ﴾ بالعذاب ﴿قالَ﴾ لهم لوط ﴿إِنَّكُمْ﴾ في هذه البلدان ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ لا يعرفكم أحد.
قيل : يعني أنكم لا في زيّ السفر ، ولا من أهل الحضر ، فأخاف أن تطرقوني بشرّ (٣) .
﴿قالُوا﴾ ما جئناك بما تنكرنا لأجله ﴿بَلْ جِئْناكَ بِما﴾ فيه سرورك ويشفي (٤) قلبك ، وهو العذاب الذي تتوعّد به قومك وهم ﴿كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ وفي وقوعه يشكّون ﴿وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ﴾ واليقين الذي لا مجال للريب فيه ﴿وَإِنَّا﴾
والله ﴿لَصادِقُونَ﴾ في ما نخبرك به من العذاب.
قيل : إنّ المراد بالحقّ الإخبار بالعذاب ، وما بعده تأكيد له (٥) ، إذن ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ معدّ من المدينة ﴿بِقِطْعٍ﴾ وطائفة ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾ وفي بعض منه ﴿وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ﴾ وكن من ورائهم لتسوقهم وتطلّع عليهم ﴿وَلا يَلْتَفِتْ﴾ ولا ينظر ﴿مِنْكُمْ﴾ إلى الوراء ﴿أَحَدٌ﴾
__________________
(١) تفسير البيضاوي ١ : ٥٣٢ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٥.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٦.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٦.
(٤) في النسخة : وتشقي.
(٥) تفسير أبي السعود ٥ : ٨٤.