بيانها ، وبدأ بقصة إبراهيم عليهالسلام الذي هو أعظم منزلة بقوله : ﴿وَنَبِّئْهُمْ﴾ وأخبرهم يا محمّد ﴿عَنْ﴾ قصّة ﴿ضَيْفِ إِبْراهِيمَ﴾ وهم الملائكة الذين جاءوا بالرحمة والسلامة على إبراهيم ولوط ، وبالعذاب على قوم لوط.
قيل : كانوا اثني عشر أحدهم جبرئيل ، ولم يعرفهم إبراهيم ، وحسب أنّهم أضيافه (١) .
﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ بصورة البشر ﴿فَقالُوا﴾ حين الدخول : سلام الله عليك ، أو نسلّم عليك يا إبراهيم ﴿سَلاماً﴾ وكان إبراهيم عليهالسلام شديد الحبّ للضيافة ، فما لبث حتى جاءهم بعجل مشويّ ، فلمّا رأى أنّهم لم يمدّوا أيديهم إليه خاف منهم ؛ لأنّ المعتاد عندهم أنّ الضيف إذا امتنع من الأكل ظنّوا أنّه عدوّ.
وقيل : إنّ سبب خوفه أنّهم دخلوا عليه بغير إذن وفي غير وقت (٢) ، ولذا ﴿قالَ﴾ لهم : ﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ وخائفون ، فلمّا سمعت الملائكة منه ذلك ﴿قالُوا﴾ تأمينا لخاطرة : يا إبراهيم ﴿لا تَوْجَلْ﴾ ولا تخف منا ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ﴾ ونخبرك بما فيه سرور قلبك ، وهو أنّ الله يريد أن يمنّ عليك ﴿بِغُلامٍ﴾ وولد ذكر (٣)﴿عَلِيمٍ﴾ بالمعارف والأحكام ، أو بعلم النبوة ، فتعجّب إبراهيم عليهالسلام من مقالتهم ، و﴿قالَ﴾ لهم : ﴿أَ بَشَّرْتُمُونِي﴾ بأن يولد لي ولد وأنا ﴿عَلى﴾ حال بعيد عادة من ذلك ، وهو ﴿أَنْ مَسَّنِيَ﴾ وأصابني ﴿الْكِبَرُ﴾ والهرم الذي لا يكون معه الولد.
قيل : إنّ ( على ) بمعنى مع ، أو بمعنى بعد (٤) .
ثمّ بالغ في إظهار التعجّب بقوله : ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ من الأعجوبة ، فلمّا رأوا استبعاد إبراهيم عليهالسلام ما بشّروه به ﴿قالُوا﴾ له تأكيدا لقولهم : إنّا ﴿بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ﴾ والصدق ، وبما هو كائن لا محالة ، أو باليقين الذي لا شبهة فيه ، أو بطريق حقّ وهو إخبار الله به ﴿فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ﴾ من رحمة الله عليك ، والآيسين من أن تلد وأنت شيخ كبير.
﴿قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ * قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ
* قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ
امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٥٦) و (٦٠)﴾
فلمّا سمع إبراهيم عليهالسلام كلامهم الموهم لنسبته إلى اليأس من رحمة الله ﴿قالَ﴾ تحاشيا منها وإنكارا عليهم : ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ﴾ اللطيف به ﴿إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ والمخطئون طريق المعرفة
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٤.
(٢) تفسير الرازي ١٩ : ١٩٦.
(٣) في النسخة : ذكور.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٤٧٤.