والمخالطة ، كما قال تعالى : ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾(١) وهم جالسون ﴿عَلى سُرُرٍ﴾ مرفوعة حال كونهم ﴿مُتَقابِلِينَ﴾ ومواجهين.
عن ابن عبّاس : يريد على سرر من ذهب مكلّلة بالزّبرجد والدّرّ والياقوت ، والسرير مثل ما بين صنعاء إلى الجابية (٢) .
وقيل : إنّ المراد من السرير : هو المجلس الرفيع المهيّا للسرور (٣) ، والمستقرّ الذي اطمئنّ إليه في حال الفرح ﴿لا يَمَسُّهُمْ﴾ في الجنّة ولا ينالهم ﴿فِيها﴾ من حين دخولها ﴿نَصَبٌ﴾ وعناء وتعب إلى الأبد ﴿وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ﴾ فيكون لهم بقاء لا فناء له ، ونعمة لا زوال لها ، وفوز لا حرمان معه.
﴿نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ
الْأَلِيمُ (٤٩) و (٥٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر حسن حال عباده المخلصين أعلن بشمول عفوه ورحمته لكلّ من اعترف بعبوديته وتوحيده بقوله : ﴿نَبِّئْ﴾ يا محمّد ، واخبر ﴿عِبادِي﴾ المؤمنين مطيعيهم وعصاتهم ﴿أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ﴾ للذنوب ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين حتّى لا ييأسوا من غفراني ورحمتي.
عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه مرّ بنفر من أصحابه وهم يضحكون ، فقال : « أتضحكون والنار بين أيديكم ؟ » (٤) فنزل قوله : ﴿نَبِّئْ﴾ عبادي إلى آخره.
ثمّ أعلن بغضبه على العصاة بقوله : ﴿وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ﴾ وفي تقديم الاعلان بالرحمة ، وإضافة العباد إلى نفسه ، وتأكيد الوعد بكلمة ( إنّي ) و( أنا ) وتغيير اسلوب الإخبار بالوعيد ، حيث لم يقل : أنا المعذّب ، بل أخبر بكون عذابه أليما ، دلالة واضحة على سبق رحمته وغلبتها على غضبه ، وإن كان على المؤمنين التسوية بين الخوف والرجاء بحيث لا يترجّح أحدهما على الآخر.
﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ *
قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ
فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥١) و (٥٥)﴾
ثمّ لمّا كان في قصص الأنبياء واممهم شهادة على رحمته بأوليائه وغضبه على أعدائه ، شرع في
__________________
(١) الزخرف : ٤٣ / ٦٧.
(٢) تفسير الرازي ١٩ : ١٩٣ ، والجابية : قرية من أعمال دمشق.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ١٩٣.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ١٩٥.