﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذا
سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٨) و (٢٩)﴾
ثمّ لمّا بيّن الله سبحانه خساسة مبدأ خلق الانسان ، بيّن غاية شرفه الدالة على كمال قدرة الله وحكمته بقوله : ﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ﴾ من بعد ﴿بَشَراً﴾ وإنسانا أو خلقا مجسّما يلاقي ويباشر ، أو بادي البشرة ؛ لأنّه لا صوف له ولا شعر ، يكون خلقه ﴿مِنْ صَلْصالٍ﴾ كائن ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ﴾ وأكملت خلقة جسده بأن خلقت أجزاء بدنه وصورته بصورة إنسانية وعدّلت طبائعه ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ﴾ وأفضت عليه ﴿مِنْ رُوحِي﴾ الجوهرة التي هي من أمري ﴿فَقَعُوا﴾ واسقطوا ﴿لَهُ﴾ حال كونكم ﴿ساجِدِينَ﴾
قيل : يعني اسجدوا تعظيما وخضوعا لله ، وجعلوا آدم بمنزلة القبلة لظهور تعاجيب آثار قدرته تعالى وحكمته فيه (١) .
عن الباقر عليهالسلام ، أنّه سئل عن قوله تعالى : ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ فقال : « روح اختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه ، وفضّله على جميع الأرواح ، [ فأمر ] فنفخ منه في آدم » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام ، أنّه سئل عنه ، فقال : « إنّ الله عزوجل خلق خلقا ، وخلق روحا ، ثمّ أمر ملكا فنفخ فيه ، فليست بالتي نقصت من (٣) الله شيئا ، هي من قدرته » (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام ، أنّه سئل : كيف هذا النفخ ؟ فقال : « إنّ الروح متحرّك كالريح ، وإنّما سمّي روحا لأنّه اشتق اسمه من الريح ، وإنّما اخرجت (٥) على لفظة الروح ، لأنّ الروح مجانس للريح ، وإنما أضافه إلى نفسه لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح ، كما اصطفى بيتا من البيوت. فقال : بيتي ، وقال لرسول من الرسل : خليلي وأشباه ذلك ، فهو مخلوق (٦) مصنوع محدّث مربوب مدبّر » (٧) .
﴿فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ
السَّاجِدِينَ * قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قالَ لَمْ أَكُنْ
لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ
رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ * قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٤٦١.
(٢) التوحيد : ١٧٠ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٠٨.
(٣) زاد في التوحيد : قدرة.
(٤) تفسير العياشي ٢ : ٤٢٧ / ٢٣٢٣ ، التوحيد : ١٧٢ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ١٠٨.
(٥) في التوحيد : أخرجه.
(٦) في التوحيد : ذلك ، وكل ذلك مخلوق.
(٧) التوحيد : ١٧١ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٠٨.