يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٠) و (٣٨)﴾
ثمّ خلقه الله وسوّاه ، ونفخ فيه الروح ﴿فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ﴾ بحيث لم يشذّ منهم أحد و﴿أَجْمَعُونَ﴾ بحيث لم يتأخّر أحد في امتثال الأمر من أحد ، أو المراد المبالغة في التأكيد والتعميم ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ وإنّما الاستثناء مع كونه من الجنّ لكونه مغمورا بالوف من الملائكة.
وقيل : لأنّه كان من جنس الملائكة الذين يتوالدون (١) ، والحقّ هو الأول ، وعلى أي تقدير لا شبهة أنّه كان مأمورا بالسجود ، ومع ذلك ﴿أَبى﴾ وأمتنع من ﴿أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ وموافقا لهم في الطاعة ، فعاتبه الله عند ذلك و﴿قالَ﴾ عتابا وتوبيخا له : ﴿يا إِبْلِيسُ ما﴾ كان ﴿لَكَ﴾ من العذر في ﴿أَلَّا تَكُونَ﴾ موافقا ﴿مَعَ﴾ الملائكة ﴿السَّاجِدِينَ﴾ لآدم من عرفانك بشرفهم ومنزلتهم لدي ؟
﴿قالَ﴾ إبليس : عذري في الامتناع من السجود له ، أنّي علمت أنّك خلقتني من النار التي هي أشرف العناصر وأعلاها و﴿لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ﴾ ومخلوق كثيف ﴿خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ﴾ كائن من ﴿حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ مع شرفي وفضيلتي عليه ، فانّه لا يصحّ تواضع الأشرف والأفضل للأدنى والمفضول.
﴿قالَ﴾ الله : إذن لا يجوز إقامتك في الجنّة ، أو في السماوات ، أو في المنزلة [ التي ] كانت لك ، أو في زمرة الملائكة ﴿فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ﴾ قايست وعصيت ، وكلّ من قاس وعصى فهو ﴿رَجِيمٌ﴾ ومطرود من دار كرامتي ومن كلّ خير ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ﴾ والدعاء بالشرّ من الملائكة والنّاس ، أو الابعاد من الرحمة من الآن ﴿إِلى يَوْمِ الدِّينِ﴾ ووقت جزاء الأعمال ، وأمّا بعد ذلك فعليك العذاب الذي لا يقادر قدره.
قيل : إنّ التوقيت بيوم الدين كناية عن الدوام (٢) .
ثمّ ﴿قالَ﴾ إبليس : ﴿رَبِ﴾ إذ جعلتني رجيما وملعونا ﴿فَأَنْظِرْنِي﴾ وأمهلني في الدنيا ، ولا تمتني ﴿إِلى يَوْمِ﴾ القيامة الذي فيه يحشر (٣) الناس و﴿يُبْعَثُونَ﴾ يوم البعث من القبور للحساب ، وإنّما سأل ذلك ليكون له فسحة في إغواء بني آدم وأخذه الثأر ، لا للنجاة من الموت لاستحالتها ﴿قالَ﴾ سبحانه : ﴿فَإِنَّكَ مِنَ﴾ جملة ﴿الْمُنْظَرِينَ﴾ والممهلين ، ولكن لا إلى يوم البعث ، بل ﴿إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ وهو النفخة الاولى التي يصعق فيها من في السماوات والأرض.
روي أنّ بين موته وبعثة أربعين سنة من سنيّ الدنيا ، وهو ما بين النفختين (٤) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ٧٥.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٤٦٥.
(٣) في النسخة : يحشرون.
(٤) تفسير أبي السعود ٥ : ٧٧.