﴿وَما﴾ تقدرون ﴿أَنْتُمْ﴾ على أن تكونوا ﴿لَهُ بِخازِنِينَ﴾ في السّحاب أو الغدران والآبار والعيون ، بل نحن نخزنه فيها ليكون سقيا لكم ، مع أنّ الماء غائر بالطبيعة ، فنفى عن الناس ما أثبته لجنابه.
﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٣) و (٢٤)﴾
ثمّ استدلّ على قدرته بظهورها في أنفسهم بقوله : ﴿وَإِنَّا﴾ والله ﴿لَنَحْنُ نُحْيِي﴾ بالإحياء له ﴿وَنُمِيتُ﴾ ماله الحياة من الحيوان والنبات ﴿وَنَحْنُ﴾ الباقون بعد فناء الخلق ﴿الْوارِثُونَ﴾ للدنيا وما فيها.
ثمّ بيّن سعة علمه بقوله : ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ﴾ والمتقدّمين ﴿مِنْكُمْ﴾ خروجا من الأصلاب وولادة وموتا ، أو دخولا في الاسلام ، أو في صفّ الجهاد ، أو في الطاعة كما عن ابن عباس (١)﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ في ذلك.
عن الباقر عليهالسلام : « هم المؤمنون من هذه الامّة » (٢) .
وفي تكرير قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا﴾ تأكيد بليغ.
عن ابن عبّاس - في رواية - قال : كانت تصلّي خلف النبيّ صلىاللهعليهوآله امرأة حسناء في آخر النساء ، فكان بعضهم يتقدّم في الصفّ الأول لئلا يراها وتأخّر آخرون ليروها ، فاذا ركع نظر من تحت إبطيه إليها فنزلت (٣) .
وقيل : كانت النساء يخرجن إلى الجماعة فيقفن خلف الرجال ، فربما كان من الرجال من في قلبه ريبة يتأخّر إلى آخر صف الرجال ، ومن النساء من في قلبها ريبة تتقدّم إلى أول صفّ النساء لتقرب من الرجال ، فنزلت (٤) .
وقيل : رغب رسول الله صلىاللهعليهوآله في الصّف الأول ، فازدحموا عليه فنزلت (٥) .
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥)﴾
ثمّ لمّا بيّن الله سبحانه مبدأ الخلق ومماتهم ، وأعلن بقدرته عليهما ، بيّن قدرته على حشرهم من القبور للحساب والجزاء بقوله : ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ القادر على الإحياء والاماتة ﴿هُوَ يَحْشُرُهُمْ﴾ من القبور
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ١٧٧.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٤٢٦ / ٢٣١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ١٠٦.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ١٧٨ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٧٣ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٥٥.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٤٥٥.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٤٥٦.