ثمّ أنّه تعالى بعد ردّ اقتراحهم وإبطال شبهتهم في نبوة نبيه صلىاللهعليهوآله ، أجاب عن مقالتهم الباطلة واستهزائهم بالقرآن بقوله : ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ مع عظم شأننا ، وكمال شرفنا ، وعلوّ جنابنا ﴿نَزَّلْنَا﴾ هذا ﴿الذِّكْرَ﴾ الذي أنكروه والقرآن الذي جحدوا نزوله عليك ، ونسبوك بسبب تلك الدعوى إلى الجنون ، ليكون لك معجزة باقية ﴿وَإِنَّا لَهُ﴾ والله ﴿لَحافِظُونَ﴾ من التغيير والطعن والتحريف إلى الأبد دون سائر الكتب السماويّة ، ولذا (١) تطّرق إليها الخلل.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ * وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ * كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ
سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٠) و (١٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الجواب عن اقتراح المشركين وشبهاتهم واستهزائهم بالنبي صلىاللهعليهوآله ، أخذ في تسليته بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا﴾ رسلا كثيرة ﴿مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ﴾ والفرق السابقين ، وكان من دأب تلك الفرق أنّه ما يبعث فيهم ﴿وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ﴾ خاصّ بهم أو عام ﴿إِلَّا﴾ أنّهم ﴿كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ ويسخرون ﴿كَذلِكَ﴾ الاستهزاء الذي سلكناه وأدخلناه في قلوب الامم السابقة لرسلهم ، ندخل الاستهزاء و﴿نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ من قومك ، فيستهزئون بك ليظهر غاية خبث ذواتهم ورذالة أخلاقهم.
وقيل : إنّ المراد كذلك الوحي المنزل على الأنبياء مقرونا بالاستهزاء (٢) . أو مثل المسلك الذي سلكناه في قلوب الامم المستهزئين برسلهم ، نسلك الذكر في قلوب المجرمين من أهل مكّة أو عموم المجرمين (٣) ، وهم ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ولا يصدّقون بأنّه كلام الله المنزل.
قيل : كانوا يسمعون القرآن بقراءة النبيّ صلىاللهعليهوآله فيدخل في قلوبهم ومع ذلك لا يؤمنون به (٤) ، لعدم استعدادهم لقبول الحقّ ، وكونهم من أهل الخذلان (٥) .
ثمّ هدّد سبحانه المجرمين بقوله : ﴿وَقَدْ خَلَتْ﴾ ومضت ﴿سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ وطريقتهم التي سلكوا فيها حتّى أهلكوا بالعذاب ، أو مضت سنّة الله وطريقة معاملته معهم حيث خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم ، ثمّ أهلكهم بعذاب الاستئصال ، أو أهلكهم حين فعلوا ما فعلوا من تكذيب الرسل والاستهزاء بهم.
__________________
(١) زاد في النسخة : لا.
(٢ و٣) تفسير روح البيان ٤ : ٤٤٥.
(٤) ( به ) ليس في تفسير روح البيان.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٤٤٦.