﴿وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ
أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٤) و (١٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان استهزائهم بالنبيّ صلىاللهعليهوآله ونسبته إلى ما لا يليق بة ، واقتراحهم عليه ، وتهديدهم على الاصرار على الكفر ، بيّن غاية عنادهم ولجاجهم بقوله : ﴿وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ﴾ ويسّرنا لهم الصعود إليها ﴿فَظَلُّوا﴾ وصاروا ﴿فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ وإليه يصعدون بآلة أو بغيرها ، ويرون ما فيها من العجائب بأعينهم.
وقيل : يعني فظلّ الملائكة يصعدون في ذلك الباب ، وهم يشاهدونهم طول نهارهم (١) ، والله ﴿لَقالُوا﴾ عنادا ولجاجا وتشكيكا في الحقّ : ليس الأمر في الواقع ما نرى بأعيننا ، بل ﴿إِنَّما سُكِّرَتْ﴾ وسدّت عن النظر ، أو حيّرت ، أو غطّيت ﴿أَبْصارُنا﴾ بالشعبذة ، وخيّل إلينا ما لا حقيقة له ﴿بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ سحرنا محمد ، كما قالوه عند ظهور سائر المعجزات الباهرة ، فلا فائدة في إجابة مسؤولهم فيما اقترحوه عليك.
قيل : إنّ في كلمة الحصر وإسناد الاسكار إلى الأبصار دلالة على أنّ المقصود عدم سراية الاسكار إلى عقولهم ، كأنهم قالوا : نحن نتحايل هذه الأشياء بأبصارنا ، ولكن نعلم بعقولنا أنّ الواقع بخلافه ، ثمّ أضربوا عن الحصر في الأبصار ، وقالوا : بل جاوز ذلك إلى عقولنا بسحر سحره لنا (٢) .
﴿وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ
شَيْطانٍ رَجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٦) و (١٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه كمال قدرته لئلا يتوهّم فيه العجز عن إتيان ما أقترحوه بقوله : ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنا﴾ وخلقنا ﴿فِي السَّماءِ بُرُوجاً﴾ وقصورا تنزلها السيارات السبع ، ورتّبنا تلك البروج والكواكب ﴿وَزَيَّنَّاها﴾ بتلك البروج والكواكب المختلفة الأشكال والكواكب المنيرة ﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾ إليها ، أو للمتفكّرين في بديع صنيعها ، المستدلّين بما فيها وفي كواكبها من حسن التدبير وكمال النظام المستتبع للآثار العجيبة على قدرة صانعها وحكمة مبدعها ومدبّرها ﴿وَحَفِظْناها مِنْ﴾ اقتراب ﴿كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ وجنّ عاص مطرود من الرحمة ، أو من القرب من السماء ، برميه بالنجوم ، كما يحفظ المنازل عن دخول من يخشى منه الفساد.
عن ابن عباس : كانت الشياطين لا تحجب عن السماوات ، فكانوا يدخلونها ويسمعون أخبار
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٤٤٦.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٤٤٦.