وبين تمتّعاتهم بقوله : ﴿وَما أَهْلَكْنا﴾ بعذاب الاستئصال ﴿مِنْ قَرْيَةٍ﴾ من القرى وبلدة من البلدان ﴿إِلَّا وَلَها﴾ في الهلاك بالعذاب ﴿كِتابٌ مَعْلُومٌ﴾ وحكمة وأجل معيّن مثبوت في اللوح المحفوظ - من حكمة بالغة - لا يصحّ تغييره ، ولا ينسى ولا يغفل عنه حتّى يتصوّر التخلّف والتقدّم والتأخّر فيه ، ولذا ﴿ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ﴾ من الامم المهلكة ﴿أَجَلَها﴾ وغاية المدّة المضروبة لهلاكها أو موتها ﴿وَما يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عن ذلك الأجل وتلك الغاية بأن تموت أو تهلك بعد مدّة من انقضائها.
﴿وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٦) و (٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان عظمة القرآن الدالّة على صحّة نبوة نبيه صلىاللهعليهوآله ، حكى سوء أدب المشركين واستهزائهم بالنبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَقالُوا﴾ عنادا وتجرّيا على الله ورسوله واستهزاء به : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ﴾ من ربّه ﴿الذِّكْرُ﴾ والقرآن ، وتدّعى هذا الأمر الخارق للعادة ﴿إِنَّكَ﴾ واللات والعزّى ﴿لَمَجْنُونٌ﴾ مختلّ العقل ، حيث إنّ مقالتك لا تشبه مقالات العقلاء ، لأنّ النبي لا بدّ أن يكون ملكا وأنت بشر مثلنا ، وعلى فرض أنّ الله جعلك نبيا ﴿لَوْ ما تَأْتِينا﴾ وهلّا تجيئنا ﴿بِالْمَلائِكَةِ﴾ حتى يشهدوا بصدقك في دعوى الرسالة ، أو يعاونوك في الانذار والتبليغ ، أو يعاقبونا على تكذيبك ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في دعواك ، فانّ الله قادر على إنزالهم وتأييدك بهم ، وأنت في نهاية الاحتياج إليهم في تمشية أمرك.
﴿ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحافِظُونَ (٨) و (٩)﴾
ثمّ ردّهم سبحانه بقوله : ﴿ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ﴾ بسبب من الأسباب ﴿إِلَّا بِالْحَقِ﴾ وحكمة مقتضية لانزالهم ، وهو استئصالهم بالعذاب ﴿وَما كانُوا إِذاً﴾ وعند ذلك ﴿مُنْظَرِينَ﴾ وممهلين طرفة عين ، كما لم نمهل سائر الامم المكذّبة للرسل المستهزئة بهم بعد نزول الملائكة لتعذيبهم ، وإنما أخرّنا تعذيب هؤلاء مع غاية استحقاقهم له لما جرى قلم القضاء بإمهالهم ، لازياد خبثهم ، واشتداد استحقاقهم ، وخروج ما في أصلابهم من ذراري المؤمنين.
القمي : لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا وهلكوا (١) .
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٧٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٠٢.