منكريه بقوله : ﴿رُبَما﴾ وكثيرا ما ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بمحمّد صلىاللهعليهوآله ودين الاسلام ﴿لَوْ كانُوا﴾ في الدنيا ﴿مُسْلِمِينَ﴾ ومنقادين لله ورسوله ، ومطيعين لدين الإسلام وأحكامه.
روي أنّه لا يزال الربّ يرحم ويشفع إليه حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، فعند ذلك يتمنّون الإسلام (١) .
وعن الصادق عليهالسلام : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله لا يدخل الجنّة إلّا مسلم ، فيومئذ يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين » (٢) .
وعن أبي موسى الأشعري ، أنّه قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إذا كان يوم القيامة ، واجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال لهم الكفّار : أ لستم مسلمين ؟ قالوا : بلى. قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا إلى النار ؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها ، فيغضب الله سبحانه لهم بفضله ورحمته ، فيأمر بكلّ من كان من أهل القبلة في النّار فيخرجون منها ، فحينئذ يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين » (٣) .
وقيل : إنّ تمنّيهم عند الموت (٤) .
﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)﴾
ثمّ أعلن سبحانه بغضبه عليهم بقوله : ﴿ذَرْهُمْ﴾ ودعهم الآن يا محمّد ﴿يَأْكُلُوا﴾ كما تأكل الأنعام ﴿وَيَتَمَتَّعُوا﴾ بالمشتهيات الدنيوية ، ويستلذوا بلذائذها كما تتمتّع البهائم ﴿وَيُلْهِهِمُ﴾ ويشغلهم عن ذكر الله والدار الآخرة ﴿الْأَمَلُ﴾ الطويل في الدنيا ، وتوقّع بقائهم فيها ، وتوغّلهم في تعميرها وتحصيل مشتهياتها من الجاه والأموال ، وما يوجب استقامة الأحوال ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ سوء صنيعنا بهم ، ووخامة عاقبتهم ، وضرر غفلتهم عن الاستعداد للآخرة ، إذا خرجوا من الدنيا ، وعاينوا ما أعدّ لهم في دار الجزاء من العذاب والنّكال.
﴿وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ * ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما
يَسْتَأْخِرُونَ (٤) و (٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه علّة تأخير عذاب الكفّار مع شدّة استحقاقهم له ، وحكم إمهالهم والتخلية بينهم
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٤٤٠.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٧٢ ، تفسير الصافي ٣ : ١٠٠.
(٣) تفسير أبي السعود ٥ : ٦٤ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٤٠ مرسلا.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ١٥٤.