والشدّة لكونه مثلا في ذلك.
وقيل : إنّ كلمة ( إن ) نافية (١) ، والمعنى : وما كان مكرهم في القوة والتأثير بحدّ تزول الجبال بسببه ، يعني يزول به دين محمّد وحجتّه ودلائله ، بل هو أوهن وأضعف من ذلك.
وقيل : إنّ المراد أنّ كفّار هذا العصر مكروا مكر كفّار الأعصار السابقة ، كنمرود ومن حذا حذوه ، وعند الله جزاء مكرهم (٢) .
﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧)﴾
ثم نبّه سبحانه على أنّ مكر الماكرين بالرسل لا يمكن أن يكون مخلا بأمر الرسل بقوله : ﴿فَلا تَحْسَبَنَ﴾ ولا تتوهمنّ يا محمّد أن ﴿اللهَ﴾ الحكيم القادر ﴿مُخْلِفَ وَعْدِهِ﴾ الذي وعده ﴿رُسُلَهُ﴾ من تعذيب أعدائهم ونصرتهم على معارضيهم ﴿إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ وغالب على أمره ، وقاهر على خلقه ﴿ذُو انتِقامٍ﴾ من أعدائه وأعداء رسله.
قيل : إن الله قال : ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾(٣) وقال هنا : ﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ فنبّه بتلك القضيتين على أنّه إن لم تقم القيامة ، ولم ينتقم للمظلوم من الظالم ، يلزم إما كونه غافلا ، أو مخلفا لوعده رسله ، وكلاهما محال ، فالقول بعدم قيام القيامة في غاية البطلان(٤).
﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)﴾
ثمّ عيّن سبحانه يوم إتيانهم العذاب أو وقت الانتقام بقوله : ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ﴾ وتغيّر هذه ﴿الْأَرْضُ﴾ وتكون صفتها ﴿غَيْرَ﴾ صفة تلك ﴿الْأَرْضُ﴾
عن ابن عبّاس : هي تلك الأرض ، إلّا أنها تغيّرت في صفاتها ، فتسيّر عن الأرض جبالها ، وتفجّر بحارها وتسوّى ، فلا يرى فيها عوج ولا أمّت (٥) .
وعن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال : « يبدّل الله الأرض غير الأرض (٦) ، فيبسطها ويمدّها مدّ الأديم العكاظي ، فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة فاذا هم في [ هذه المبدّلة في ] مثل
__________________
(١) تفسير البيضاوي ١ : ٥٢٢ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٥٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٥ : ٥٩ ، تفسير الرازي ١٩ : ١٤٤.
(٣) إبراهيم ١٤ : ٤٢.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ١٤٥.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ١٤٦.
(٦) زاد في مجمع البيان : والسماوات.