﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ حال كونهما ﴿دائِبَيْنِ﴾ ودائمين في سيرهما بحيث لا ينقطع سيرهما إلى يوم القيامة ، ولا يفتران لا صلاح ما يصلحان من الأرض والنبات والأبدان والمعادن وغيرها ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ﴾ لتسكنوا فيه ﴿وَالنَّهارَ﴾ لتبتغوا من فضله ﴿وَآتاكُمْ مِنْ كُلِ﴾ بجوده بعضا ﴿ما سَأَلْتُمُوهُ﴾ ممّا تحتاجون إليه ممّا لم يكن منافيا لحكمته ، أو كلّ ما سألتموه بلسان الحال أو المقال على أنّ كلمة ( من ) تبيينية.
ثمّ نبّه على أنّ نعمة ليست منحصرة بالمذكورات بقوله : ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ﴾ التي أنعمها عليكم جسمانية وروحانية ﴿لا تُحْصُوها﴾ ولا تقدرون على عدّها وحصرها لكثرتها وعدم إحاطة عقولكم بجميعها.
ثمّ ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ﴾ المستغرق في تلك النّعم والله ﴿لَظَلُومٌ﴾ وكثير العصيان لمنعمه مع أنّ حقّ نعمه الطاعة وصرف العمر في الشكر و﴿كَفَّارٌ﴾ لتلك النعم ، ومبالغ في كفرانها بأن صرفها في ما يغضب المنعم ويجعل له أندادا.
﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ
الْأَصْنامَ (٣٥)﴾
ثمّ لمّا كانت قريش مفتخرين بانتسابهم إلى إبراهيم ، حكى سبحانه شدّة إنكاره عبادة الأصنام بقوله : ﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ﴾ حبّا لأولاده الساكنين في مكة من بني إسماعيل ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ﴾ الذي يسكنه (١) ذرّيتي ﴿آمِناً﴾ ومحفوظا من ورود المكاره العمومية (٢) على أهله ، وقد مرّ في سورة البقرة تفصيل المراد من جعله آمنا (٣)﴿وَاجْنُبْنِي﴾ وبعّدني ﴿وَبَنِيَ﴾ من ﴿أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ﴾ بأن تثبّتنا على ما نكون عليه من التوحيد ودين الاسلام.
قيل : إنّه عليهالسلام لمّا رأى القوم يعبدون الأصنام ، فخاف على بنيه ، فدعا لهم (٤) ، وإنّما أدخل نفسه الشريفة في الدعاء إمّا لإظهار هضمها ، وإمّا لإظهار أنّ عصمته من العقائد الفاسدة والزلّات بعناية الله ولطفه لا بنفسه ، وقد استجاب الله دعاءه ، فجعل البلد آمنا بالمعاني التي سبق ذكرها ، وجنّب كثيرا من ذراريه من عبادة الصنم ، وكانت كلمة التوحيد باقية في عقبه.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « قد حظر على من مسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله
__________________
(١) في النسخة : يسكنها.
(٢) في النسخة : العمومي.
(٣) تقدم في سورة البقرة : ٢ / ١٢٦.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٤٢٤.