العبادات البدنية والمالية بأن ﴿يُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ التي هي عمود دينهم ، ومعراجهم إلى مقام قرب ربّهم ﴿وَيُنْفِقُوا﴾ بعضا ﴿مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً﴾ وأنعمنا عليهم في سبيلنا وتحصيل مرضاتنا ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ﴾ تنقضي مدد أعمارهم في الدنيا و﴿يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ عظيم ﴿لا بَيْعٌ﴾ ومعاوضة ﴿فِيهِ﴾ حتّى يبتاع المجرم نفسه بالمال ويفتدي به عنها من العذاب ﴿وَلا خِلالٌ﴾ وصداقة حتى يشفّعه خليله وصديقه ، أو يبذل عنه مالا ليخلّصه من العقوبة ، فعلى العاقل أن يهيّأ أسباب خلاصة من العذاب في الدنيا بالقيام بوظائف العبودية وبذل الأموال في سبيله.
﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الْأَنْهارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ *
وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ
لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٢) و (٣٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حال السعداء ، وترغيبهم في القيام بوظائف العبودية ، وبيان حال الأشقياء ، وترهيبهم من الشرك ، نبّه على كمال قدرته وحكمته ووفور نعمته ، ازديادا لترغيب الأولين وترهيب الآخرين بقوله : ﴿اللهُ﴾ هو ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ بقدرته ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ نافعا بحكمته ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ﴾ من الأرض كثيرا ﴿مِنَ﴾ أنواع ﴿الثَّمَراتِ﴾ ليكون ﴿رِزْقاً﴾ ومعايش ﴿لَكُمْ﴾ بجوده ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ﴾ وسلّطكم على صنعها واستعمالها ﴿لِتَجْرِيَ﴾ وتسير الفلك المصنوعة ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ إلى حيث توجّهتم بها ﴿بِأَمْرِهِ﴾ وإرادته ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ﴾ بأن جعلها سهلة الانتفاع بها باتحاد الجداول منها تسقي زروعكم وبساتينكم.
قيل : لمّا لم ينتفع بماء البحر في الزراعات ، أنعم الله على الخلق بتفجير الأنهار والعيون (١) .
وقيل : زروعكم وبساتينكم (٢) .
وقيل : إنّ المراد بالأنهار الأنهار العظيمة الخمسة : سيحون وجيحون والفرات ودجلة والنّيل ، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة ، فاستودعها الجبال ، وأجراها ، وسخّرها للناس ، وجعل فيها منافع لهم في أصناف معائشهم ، وسائر الأنهار تبع لها (٣) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ١٢٨.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٤٢١.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٤٢٢.