ثمّ لمّا ذكر الله سبحانه ثبات كلمة التوحيد في القلوب ، بيّن ثباتها في الدارين بقوله : ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بلطفه وتوفيقه ﴿بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ وهو كلمة التوحيد الراسخة في نفوسهم ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ فلا يزولون عنها ولو قطّعوا إربا إربا ﴿وَفِي الْآخِرَةِ﴾ فلا يتلعثمون إذا سئلوا عنها في القبر وفي الموقف.
عن ابن عبّاس : من داوم على الشهادة في [ الحياة ] الدنيا يثبّته الله عليها في قبره ويلقّنه إياها(١).
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أنّه ذكر قبض روح المؤمن فقال : « ثمّ تعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره فيقولان [ له ] : من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك ؟ فيقول : ربّي الله ، وديني الاسلام ، ونبيي محمد صلىاللهعليهوآله ، فينادي مناد من السماء أنّه صدّق عبدي. فذلك قوله تعالى : ﴿يُثَبِّتُ اللهُ﴾(٢) الآية.
وعن الصادق عليهالسلام : « أنّ الشيطان ليأتي الرجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضلّه (٣) عما هو عليه ، فيأبى الله عزوجل له ذلك ، وذلك قول الله عزوجل : ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾(٤) .
وقيل : إنّ المراد يثبّت الله الذين [ آمنوا ] على الثواب والكرامة بسبب القول الثابت الذي يصدر عنهم في الدنيا والآخرة (٥) . وعلى أيّ تقدير هو بيان لقوله : ﴿تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه معاملته مع أصحاب الكلمة الطيبة ، بيّن معاملته مع أصحاب الكلمة الخبيثة بقوله : ﴿وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم باختيار الكفر عن كرامته ، ويمنعهم عن الفوز بالثواب.
عن الصادق عليهالسلام : « يعني يضلّهم [ يوم القيامة ] عن دار كرامته (٦) » وعن الحقّ الذي ثبّت المؤمنين عليه ، فلا يثبتوا في الدنيا في مواقف الفتن ، وإذا سئلوا عن دينهم في قبورهم قالوا : لا ندري ، وتدهشهم أهوال القيامة فلا يقدرون على الجواب في الموقف ﴿وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ﴾ من تثبيت بعض وإضلال آخرين حسبما تقتضيه مشيئته التي هي عين حكمته البالغة ولا اعتراض عليه.
عن الصادق عليهالسلام في سؤال القبر : « وإن كان كافرا - إلى أن قال - : ويسلّط الله عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشا ، والشيطان يغمّه غمّا - إلى أن قال - : وهو قول الله عزوجل : ﴿يُثَبِّتُ اللهُ﴾ إلى قوله : ﴿وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ﴾(٧) .
﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ * جَهَنَّمَ
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ١٢٢.
(٢) تفسير البيضاوي ١ : ٥١٨.
(٣) في تفسير العياشي : يساره ليصده.
(٤) تفسير العياشي ٢ : ٤٠٧ / ٢٢٧٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٨٦.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ١٢٢.
(٦) التوحيد : ٢٤١ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٨٦.
(٧) الكافي ٣ : ٢٣٩ و٢٤٠ / ١٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٨٦.