يَتَذَكَّرُونَ (٢٤) و (٢٥)﴾
ثمّ لمّا كانت السعادة الأبدية بالإيمان بالله وتوحيده والاقرار به ، أوضح سبحانه بقاء كلمة التوحيد وكثرة فوائدها بضرب المثل بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ يا محمد ، ببصيرة قلبك ونور نبوتك وقوة نظرك ﴿كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً﴾ بديعا معجبا تامّ المطابقة للممثّل له ، فتتعجّب منه ، وهو الكلمة الطيبة.
قيل : إنّها كلمة ( لا إله إلّا الله ) كما عن ابن عبّاس (١) . أو هي وسائر الأذكار كالتسبيح والتحميد ، والتكبير والاستغفار ، والقرآن والدعاء وغيرها من الكلمات الحسنة الصادرة عن المؤمن عن المعرفة وخلوص النية ، كما عن آخر (٢) .
وذلك المثل أنّه تعالى جعل ﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ صادرة من المؤمن في الطيب واللذة والحسن ، والثبات في النفس ، والرّسوخ في القلب ، والبقاء في العوالم الالهية من عالم الأجسام والأرواح والمثل ، والملكوت والجبروت ، وفي ارتفاعها إلى العرش وفضاء عالم القرب ، وفي حسن الثمر وطيبه وكثرته ودوامه ، وكثرة الانتفاع به ، وهو محبّة الله والتوحيد والتفويض إليه ، والتوكّل عليه والتسليم لأمره ، والرضا بقضائه ، والصبر على طاعته وبلائه ، والاعراض عن غيره ، والشوق إلى لقائه ، وفي كون جميع هذه الثمار بتوفيقه وتأييده ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ حسنة الصورة والمنظر والريح ، والنفع والثمر ﴿أَصْلُها ثابِتٌ﴾ في الأرض ، وعروقها راسخة فيها بحيث لا يحتمل انقلاعها وانقطاعها ﴿وَفَرْعُها﴾ وغصنها متصاعد ﴿فِي السَّماءِ﴾ المطّل (٣) أو جهة العلوّ ﴿تُؤْتِي أُكُلَها﴾ وتعطي ثمرها ﴿كُلَّ حِينٍ﴾ من الأحيان ، وكلّ وقت من الأوقات ﴿بِإِذْنِ رَبِّها﴾ وإرادة خالقها وتدبير مدبّرها.
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّ هذه الشجرة الطيبة النّخلة » (٤) وهو مروي عن ابن عبّاس. وعنه : أنّ الحين ستة أشهر. وقيل : إنّه شهران. وقيل : سنة (٥) ؛ لأنّه إذا ترك عليها الثمر انتفع به في جميع أوقات السنة (٦) .
وقيل : إنّ المراد بالشجرة شجرة تكون لها هذه الأوصاف التي يجب على العاقل تحصيلها والسعي في حفظها وادّخارها لنفسه ، وإن لم يكن لها وجود في العالم وكان فرضيا (٧) .
ثمّ نبّه سبحانه على حكمة ضرب المثل بقوله : ﴿وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ﴾ بتصوّر المحسوسات ﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾ ويفهمون المعقولات ويتصوّرون المعاني العالية عن الأفهام بتطبيقها على المشهودات.
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ١٢٠.
(٢) تفسير أبي السعود ٥ : ٤٣ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤١٤.
(٣) لفظ السماء مؤنث وقد يذكّر.
(٤) مجمع البيان ٦ : ٤٨٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٨٥.
(٥) مجمع البيان ٦ : ٤٨٠ ، تفسير الرازي ١٩ : ١٢٠.
(٦ و٧) تفسير الرازي ١٩ : ١٢٠.