قيل : إنّ المراد أنّ إشراككم لي بالله هو الذي أطمعكم في نصرتي لكم ، لأنّكم تخيّلتم أنّ لكم عليّ حقّ حيث جعلتموني معبودا ، وكنت احبّ ذلك وأرغب فيه ، فاليوم تبرّأت منه ومنكم ، فليس بيني وبينكم علاقة (١) .
أو المراد أنّي كفرت بالله الذي جعلتموني شريكا له في العبادة من قبل ، وحين خلق آدم ، وأبيت عن السجود له ، أو من قبل كفركم ، فلا يمكنني أن اصرخكم لأنّ الكافر بمعزل عن الإغاثة والاعانة بالشفاعة (٢) .
ثمّ بالغ في قطع أطماعهم عن إغاثته بقوله : ﴿إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾
وقيل : إنّه قول الله تعالى بعد حكاية كلام إبليس (٣).
﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد شرح سوء حال الأشقياء في الآخرة شرح حسن حال السعداء والأتقياء فيها بقوله : ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ووحدانيته ورسله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ كان المدخل هو الله أو الملائكة ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين ذات أشجار وقصور ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة حال كونهم ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ أبدا ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ ومليكهم اللطيف بهم مكرمين ومعظّمين بحيث يحيّون من قبل ربّهم ، أو من قبل الملائكة ، وتكون ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ﴾ كما قال الله : ﴿سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾(٤) وقال في السور السابقة : ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾(٥) .
وفي هذه التحية بشارة بالسلامة الأبدية من جميع آفات الدنيا وخسرانها ، وفنون آلامها وأسقامها ، وأنواع همومها وغمومها ، ومن عذاب الآخرة ومكارهها ، وفي ذكر عاقبة الفريقين إيقاظ للمؤمنين حتى يتدبّروا في عواقبهم ، ويحاسبوا أنفسهم.
﴿أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها
فِي السَّماءِ * تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٤١٣.
(٢) تفسير أبي السعود ٥ : ٤٣.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ١١٥ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤١٣.
(٤) يس : ٣٦ / ٥٨.
(٥) الرعد : ١٣ / ٢٣ و٢٤.