ومخلص أو مهرب.
﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا
تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ
بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢)﴾
ثمّ لمّا حكى سبحانه اعتذار رؤساء الكفر من أتباعهم ، حكى اعتذار الشيطان الذي كان إغواء الجميع بوسوسته وتسويلاته بقوله : ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ﴾ لأهل النار ﴿لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ وتمّت المحاسبة ، واستقرّ أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار.
قيل : عند ذلك يأخذ أهل النار في لوم إبليس ، فيقوم خطيبا بينهم ، ويقول : يا أهل النار ﴿إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ﴾(١) في الدنيا في كتابه وعلى لسان رسله على الإيمان والطاعة ﴿وَعْدَ الْحَقِ﴾ بالثواب.
قيل : إنّ إضافة الوعد إلى الحقّ إضافة الشيء إلى نفسه (٢) .
وقيل : إنّ المعنى وعد اليوم الحقّ ، أو الأمر الحقّ من البعث والجزاء على الأعمال فصدقكم (٣) . كما تشاهدون ﴿وَوَعَدْتُكُمْ﴾ على الكفر والمعاصي النّعم الدنيوية.
وقيل : يعني وعدتكم أن لا جنة ولا نار ولا حشر ولا حساب (٤) ﴿فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ موعدي ، وظهر لكم كذبي ﴿وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ﴾ شيء ﴿مِنْ سُلْطانٍ﴾ وقدرة وقهر حتى الجئكم إلى الكفر والعصيان ، ولم يكن منّي في حقّكم عمل ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ﴾ إلى طاعتي بتزيين القبائح في نظركم ، وترغيبكم بالتسويل إليها ﴿فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ ووافقتموني طوعا واختيارا ﴿فَلا تَلُومُونِي﴾ فيما دعوتكم إليه بالكذب والباطل ؛ لأنّي كنت لكم عدوا ، فعلت بمقتضى عداوتي ﴿وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ حيث اخترتم طاعتي لحبّكم لها واشتهائكم إياها ، مع علمكم بأنّي عدوّ لكم لا اريد خيركم ، فصدّقتموني فيما كذّبتكم ، لكون أمري ملائما لهواكم ، وكذبتم الله فيما صدقكم لكون قوله مخالفا لطباعكم ، فأنتم أحقّ باللوم مني ، فاليوم ﴿ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ ومغيثكم ممّا أنتم فيه ﴿وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ﴾ ومغيثي ممّا أنا فيه.
ثمّ قطع طمع أوليائه في إغاثته لهم بقوله : ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ﴾ بالله في الطاعة ، وجعلتموني عدلا له في العبادة ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ في دار الدنيا.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٤١٢ ، تفسير الرازي ١٩ : ١١٠.
( ٢و٤ ) تفسير الرازي ١٩ : ١١٠.