وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ﴾ والحكمة البالغة والغرض الصحيح من معرفته بالوحدانية والحكمة ، لتنالوا بها الدرجات والمقامات العالية والنّعم الدائمة في الآخرة ، ومن المعلوم أنّ الذي له هذه القدرة ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ ويعدّمكم ﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ويخلق قوما آخرين بدلا منكم.
عن ابن عبّاس : هذا الخطاب مع كفار مكة ، يريد اميتكم يا معشر الكفار وأخلق قوما خيرا منكم وأطوع (١) .
﴿وَما ذلِكَ﴾ الإذهاب والإتيان ﴿عَلَى اللهِ﴾ الخالق للعالم ﴿بِعَزِيزٍ﴾ وصعب أو ممتنع ، فانّ من كان قادرا على إيجاد العالم وإفنائه ، قادر على إعدام الأشخاص المعينين وإيجاد أمثالهم ، بل أقدر.
﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ
مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا
أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان كمال قدرته وحكمته الدالتين على المعاد ، بيّن سوء حال المشركين فيه ، وافتضاح رؤسائهم ، وحسرة أتباعهم على متابعتهم بقوله : ﴿وَبَرَزُوا﴾ من القبور بعد إحيائهم فيها ، وظهروا ﴿لِلَّهِ﴾ ولأمره وخرجوا منها للمحاسبة [ مع ] قادتهم وأتباعهم ﴿جَمِيعاً﴾ لا يشذّ منهم أحد ، وإنّما عبّر بصيغة الماضي للإشعار بتحقّق الوقوع ، أو بتساوي الماضي والمستقبل إليه تعالى ﴿فَقالَ﴾ السّفلة ﴿الضُّعَفاءُ﴾ العقول والآراء ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ في الأرض وترأسوا عليهم ، واستتبعوهم في الكفر : أيّها الروساء ﴿إِنَّا كُنَّا﴾ في الدنيا ﴿لَكُمْ تَبَعاً﴾ في عبادة الأصنام وتكذيب الرسل وإيذائهم ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ﴾ اليوم ﴿مُغْنُونَ﴾ وكافّون ودافعون ﴿عَنَّا﴾ بحقّ تبعيّتنا لكم ﴿مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ قليل ؟ فلمّا سمع الرؤساء التوبيخ من أتباعهم اعتذارا عن إغوائهم ﴿قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ﴾ في الدنيا بتوفيقه إلى دينه الحقّ والله (٢)﴿لَهَدَيْناكُمْ﴾ إليه ، ولكن أضلّنا بخذلانه عن سبيله ، فلذا أضللناكم واخترنا لكم ما أخترناه لأنفسنا.
وقيل : إنّ المراد لو هدانا الله إلى طريق من طرق النجاة لهديناكم إليه ، وأغنينا عنكم [ العذاب ] كما عرّضناكم له ، ولكن سدّ علينا جميع طرق النجاة (٣) . إذن ﴿سَواءٌ عَلَيْنا﴾ وعليكم في عدم النجاة ﴿أَ جَزِعْنا﴾ من العذاب ﴿أَمْ صَبَرْنا﴾ عليه ، على أي تقدير ﴿ما لَنا﴾ من العذاب ﴿مِنْ مَحِيصٍ﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ١٠٦.
(٢) كذا ، ولا موضع للقسم في الآية.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٤١١.