بِمَيِّتٍ﴾ في الحقيقة ﴿وَمِنْ وَرائِهِ﴾ وعقبه ﴿عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ وشديد غايته.
قيل : إنّ في كلّ وقت يرد عليه عذاب أشدّ ممّا قبله. وقيل : العذاب الغليظ : قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد (١) . وقيل : إنّه الخلود (٢) .
﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا
يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه غاية خسرانهم بسبب ضياع أعمالهم الخيرية وعدم انتفاعهم بها بقوله : و﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ وحالهم الغريبة التي هي كالمثل في الغرابة ﴿أَعْمالُهُمْ﴾ وقيل : إنّ المراد مثلهم فيما يتلى عليكم.
ثمّ كأنّه قيل : كيف يكون مثلهم ؟ أو ما بال أعمالهم التي عملوها في وجوه البرّ من صلة الأرحام ، وإعتاق الرقاب ، وإغاثة الملهوفين وأمثالها ؟ فاجيب بأنّ تلك الأعمال ﴿كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ﴾(٣) ومرّت ﴿بِهِ الرِّيحُ﴾ الشديدة بقوة وسرعة ﴿فِي يَوْمٍ عاصِفٍ﴾ وزمان شديد الريح ، فحملته وذهبت به ، فكما لا يوجد من الرماد في [ ذلك ] الوقت شيء ، ولا يرى له أثر ، فكذلك الكفّار ﴿لا يَقْدِرُونَ﴾ يوم القيامة ﴿مِمَّا كَسَبُوا﴾ وعلموا من الخيرات ﴿عَلى﴾ تحصيل ﴿شَيْءٍ﴾ يسير منه ، ولا يرون له أثرا من ثواب أو تخفيف عذاب ، لكونه مع الكفر.
وقيل : إنّ المراد بأعمالهم عبادتهم الأصنام ، وما تكلّفوه لهم دهرا طويلا باعتقاد الانتفاع به (٤) .
وقيل : إنّ المراد كلا القسمين (٥) .
﴿ذلِكَ﴾ الكفر الموجب لهذا الخسران ﴿هُوَ﴾ بالخصوص ﴿الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ والانحراف غير المتناهي عن طريق الصواب والخسران العظيم الذي لا يتصوّر له حدّ.
﴿أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ
جَدِيدٍ * وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٩) و (٢٠)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه شدّة عذاب الآخرة ، وكان المشركون منكرين للمعاد ، استدلّ سبحانه عليه بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ يا محمّد ، أو يا عاقل ببصيرة قلبك وحكم عقلك ﴿أَنَّ اللهَ خَلَقَ﴾ بقدرته ﴿السَّماواتِ
__________________
(١ و٢) تفسير الرازي ١٩ : ١٠٤.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ١٠٥ ، تفسير روح البيان ٤ : ٤٠٨.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ١٠٥.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ١٠٥.