﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ
* يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ
وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٥) و (١٧)﴾
ثمّ إنّ الرسل بعد يأسهم من إيمان أقوامهم تضرّعوا إلى الله ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ وسألوا الفتح والنّصرة عليهم ، ففازوا بمقصودهم من النصر فنزل العذاب ، أو سألوا من الله القضاء بينهم وبين أعدائهم فقضى لهم ﴿وَخابَ﴾ وحرم من كلّ خير ، أو خسر أو هلك ﴿كُلُّ جَبَّارٍ﴾ ومتكبّر ﴿عَنِيدٍ﴾ شديد العداوة.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « يعني من أبى أن يقول لا إله إلّا الله » (١) .
وعن الباقر عليهالسلام : « العنيد : المعرض عن الحقّ » (٢) .
وقيل : المستفتحون هم الكفّار ، فانّهم سألوا النصر على الرسل وخابوا وابتلوا بالعذاب.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان عاقبة الجبار في الدنيا ، بيّن سوء حاله في الآخرة بقوله : ﴿مِنْ وَرائِهِ﴾ وخلفه ، أو من قدّامه ﴿جَهَنَّمُ﴾ فإنّها منزله في الآخرة ﴿وَيُسْقى﴾ كلّما عطش فيها ﴿مِنْ ماءٍ﴾ مخصوص ، وهو القيح المختلط بالدم ، أو ما يسيل من أجساد أهل النار وفروج الزواني على ما قيل (٣) ، سمّي باسم ﴿صَدِيدٍ﴾ لصدّ كراهته عن تناوله.
عن الصادق عليهالسلام - في تفسير صديد - قال : « يسقى ممّا يسيل من الدم والقيح من فروج الزواني [ في النار » (٤) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « يقرّب إليه ] فيكرهه ، فإذا ادني منه شوى جهه ووقعت فروة رأسه ، فإذا شرب قطّع أمعاءه حتى يخرج من دبره » (٥) الخبر.
﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ ويشربه قليلا قليلا بتكلّف ﴿وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ﴾ ولا يمكنه أن يبتلعه بسهولة ، بل يغصّ به فيشربه شيئا فشيئا بعسرة شديدة ، فيطول بشربه عذابه بالحرارة تارة وبالعطش اخرى ، فمعنى ﴿وَلا يَكادُ﴾ ليس عدم الامكان ، بل معناه الإبطاء.
ثمّ بالغ سبحانه في بيان غاية شدّة عذابه بقوله : ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ﴾ وتحيط به أسبابه ﴿مِنْ كُلِّ مَكانٍ﴾ وجهة. وقيل : يعني من كلّ جزء من أجزاء جسده (٦) ، حتى اصول شعره وإبهام رجله ﴿وَما هُوَ
__________________
(١) التوحيد : ٢٠ / ٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٨٢.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٦٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٨٢.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٤٠٦.
(٤) مجمع البيان ٦ : ٤٧٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٨٢.
(٥) مجمع البيان ٦ : ٤٧٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٨٢.
(٦) تفسير الرازي ١٩ : ١٠٤.