القاهرة التي تعنّتونها علينا ، وإنّما اللازم على الله أن يأذن في إتيان ما هو حجّة ظاهرة على رسالتنا من المعجزات ، وقد أتينا بها وأتممنا عليكم الحجّة بها ، وأما ما تطلبونه تعنّتا ولجاجا ، فهي امور زائدة والحكم فيها لله إن شاء أذن لنا في إتيانها ، وإن لم يشاء لم يأذن.
ثمّ قيل : إن الرسل لمّا أجابوا عن شبهات المعترضين ، هدّدوهم وخوّفوهم بالقتل والضرب ، فأجابهم الرسل بأنّا لا نخاف من وعيدكم ، فإنا توكّلنا على الله الذي هو حافظنا وناصرنا (١) . ﴿وَعَلَى اللهِ﴾ وحده ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ﴾ وإليه فليفوّض الأمر ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ به ، فكيف بنا ونحن أنبياء ﴿وَما لَنا﴾ وليس يليق بنا ﴿أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ﴾ ولا نفوّض أمورنا من الحفظ والنصر وغيرهما إليه مع أنّا نرى غاية لطفه بنا ، حيث إنّه قد عرّفنا نفسه واصطفانا بالرسالة ﴿وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا﴾ وأرشدنا إلى المنهج الذي شرّع لنا ﴿وَ﴾ والله ﴿لَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا﴾ به من المكابرة والتكذيب والمعاداة ، ثمّ أعلنوا بأنّ وظيفة كلّ من اتّبعهم التوكّل بقولهم : ﴿وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾
﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى
إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ
خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٣) و (١٤)﴾
ثمّ لمّا ألان الرسل في القول مع الأقوام ، حكى الله مبالغتهم في السّفة بقوله : ﴿وَقالَ﴾ عتاة ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من الأقوام ﴿لِرُسُلِهِمْ﴾ باللات والعزّى ، أو بالأصنام التي نعبدها ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا﴾ وديارنا ﴿أَوْ لَتَعُودُنَ﴾ ولترجعنّ ﴿فِي مِلَّتِنا﴾ وإنّما أمروهم بالعود مع أنّهم لم يكونوا على ملّتهم أصلا لاعتقادهم أنّهم كانوا قبل ادّعاء الرسالة على ملّتهم ، أو لتغليب أتباعهم عليهم في الخطاب ، أو لإرادة الصيرورة من العود.
ثمّ لمّا بلغ عناد الكفّار بالرسل إلى هذا الحدّ ﴿فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ اللطيف بهم : بعزّتنا ﴿لَنُهْلِكَنَ﴾ بعذاب الاستئصال هؤلاء ﴿الظَّالِمِينَ﴾ جميعا ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ﴾ التي سكنوها ، ولنمكننكم في البلاد التي تمكنّوا فيها ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ وبعد هلاكتهم ﴿ذلِكَ﴾ النصر على الأعداء باهلاكهم وتوريث أرضهم حقّ ثابت عليّ ﴿لِمَنْ خافَ مَقامِي﴾ ومحلّي من العظمة والجلال والقهر ، أو خاف موقفي عند الحساب في القيامة ، أو خاف مقامي ومراقبتي إياه ، أو المراد خافني ﴿وَخافَ وَعِيدِ﴾
عن ابن عباس ، قال : خاف ما أوعدت من العذاب (٢) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ٩٧.
(٢) تفسير الرازي ١٩ : ١٠١.