كانت رسالته عامّة ، أو بلغة الطائفة الذين ارسل إليهم إن كانت خاصة ﴿لِيُبَيِّنَ﴾ ويوضّح العلوم والمعارف والأحكام ﴿لَهُمْ﴾ بلسانهم حتى يكون فهمهم لها أسهل ، ووقوفهم على مقاصدها أكمل.
قيل في قوله تعالى : ﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ﴾(١) وقوله : ﴿إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ دلالة على أنّ رسالة رسولنا عامّة ، ورسالة غيره من الرسل خاصة بقوم معينين (٢) .
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله - في حديث - : « ومنّ عليّ ربّي ، وقال : يا محمّد ، قد أرسلت كلّ رسول إلى امته بلسانها ، وأرسلتك إلى كلّ أحمر وأسود من خلقي » (٣) .
أقول : لا بدّ من حمل عموم كلّ رسول على غير اولى العزم ، لوضوح كون رسالتهم عامّة أيضا.
ثمّ نبّه سبحانه على أنه مع ذلك تكون الضلالة بخذلانة والهداية بتوفيقه بقوله : ﴿فَيُضِلُّ اللهُ﴾ عن الحقّ ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ ضلالته بسلب التوفيق عنه المترتّب على خبث ذاته وسوء أخلاقه وأعماله ﴿وَيَهْدِي﴾ إلى الحقّ ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته بتوفيقه المترتّب على طيب طينته وحسن أخلاقه وأعماله ﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب على أمره ، القادر على إنفاذ مشيئته ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أفعاله ، لا يصدر منه إلّا ما هو الأصلح والأصوب.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ
بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه حكمة إرسال النبيّ وإنزال الكتاب إليه ، وهو إخراج النّاس من الظلمات إلى النور ، بيّن أنّ إرسال موسى عليهالسلام أيضا كان لذلك بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى﴾ إلى بني إسرائيل متلبسا ﴿بِآياتِنا﴾ الدالة على رسالته من المعجزات التسع ، وقلنا له : ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾ وخلّصهم من الكفر والضلال ، واهدهم إلى الايمان والمعرفة واليقين.
قيل : إنّ المراد باخراج بني إسرائيل من الظلمات ، إخراجهم بعد إهلاك فرعون من الجهالة التي أدّتهم إلى عبادّة العجل (٤) .
وقيل : إنّ المراد القبط (٥) .
ثمّ أمر موسى عليهالسلام بوعظهم بقوله : ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ والوقائع التي وقعت للامم السابقة من العقوبات النازلة عليهم بالكفر ومعارضة الرسل.
__________________
(١) إبراهيم : ١٤ / ١.
(٢) تفسير الرازي ١٩ : ٧٩ ، وفي النسخة : معين ، بدل : معينين.
(٣) الخصال : ٤٢٥ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٧٩.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٣٩٧.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٣٩٨.