﴿اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ
شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ
وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢) و (٣)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تفخيم شأن الصراط باضافته إلى ذاته المقدسة ، بذكر اسم الجلالة بيانا للوصفين بقوله : ﴿اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ [ من ] الموجودات الجسمانية والروحانية والجوهرية والعرضية بالملكية الاشراقية.
وقيل : إنّ المشركين كانوا يصفون الوثن بالعزيز الحميد (١) ، فلذا كان مجال توهّم إرادة الوثن من الوصفين ، فرفع الابهام بقول له : ﴿اللهِ ....﴾
ثمّ هدّد سبحانه المنكرين للكتاب الممتنعين من الخروج من الظلمات بقوله : ﴿وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ﴾ بكتاب الله ﴿مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ في الآخرة.
ثمّ عرّف الكافرين بقوله : ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ﴾ ويختارون ﴿الْحَياةَ الدُّنْيا﴾ ولذائذها ويؤثرونها ﴿عَلَى الْآخِرَةِ﴾ ونعمها الدائمة.
عن ابن عبّاس : يأخذون ما تعجّل فيها تهاونا بأمر الآخرة (٢) . ولا يقنعون بضلالة أنفسهم ، بل يمنعون ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ النّاس ﴿عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ والدخول في دين الحقّ ، ويطلبون لتلك السبيل ﴿وَيَبْغُونَها﴾ بشبهاتهم ﴿عِوَجاً﴾ وانحرافا.
قيل : كانوا يقولون : إنّ دين الاسلام سبيل معوجّة منحرفة عن الحقّ ، لا توصل إلى المقصود (٣).
﴿أُولئِكَ﴾ الضالون المضلّون منغمرون ﴿فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ عن طريق الحقّ غاية البعد بحيث لا يمكن ردّهم إليه.
وقيل : إنّ المعنى اولئك في هلاك طويل لا زوال له أبدا (٤) .
﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي
مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد المنّة على الناس بإنزال الكتاب ، ذكر منّته الاخرى عليهم بقوله : ﴿وَما أَرْسَلْنا﴾ إلى النّاس ﴿مِنْ رَسُولٍ﴾ لهدايتهم ﴿إِلَّا﴾ رسولا متكلّما ﴿بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ الذين هو فيهم وبلغتهم إن
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ٧٧.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٩٤.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٣٩٥.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ٧٩.