دعوتك وتكذيب نبوّتك ﴿فَلِلَّهِ الْمَكْرُ﴾ بهم بأنواعه ﴿جَمِيعاً﴾ فانّه يبطل سعيهم ويعذّبهم بأنواع العذاب من حيث لا يشعرون.
القمي : المكر من الله هو العذاب (١) . وقيل : يعني بيده أسباب المكر وجزاؤه (٢) .
ومن مكره أنّه ﴿يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ﴾ وتعمل ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النفوس من خير أو شرّ ويهيّء جزاءه ﴿وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ﴾ البتة ، حين يعمل بمقتضى علمه ويوفّي جزاء كلّ نفس على ما كسبت أنّه ﴿لِمَنْ﴾ يكون من الفريقين ﴿عُقْبَى﴾ محمودة لهذه ﴿الدَّارِ﴾ الفانية.
قيل : إنّ المراد سيعلم الكفار من يملك الدنيا (٣) .
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر في غزوة بدر أن تطرح جيف الكفّار في القليب ، وكان صلىاللهعليهوآله إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال إلى أن قال الراوي : ثمّ مشى صلىاللهعليهوآله وتبعه أصحابه حتى وقف على شفير القليب ، وجعل يقول : « يا فلان يا فلان ، هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا ، فاني وجدت ما وعدني حقا » (٤) الخبر.
روي أنّ أبا لهب قد تأخّر في مكه ، وعاش بعد أن جاء الخبر عن مصائب (٥) قريش ببدر أياما قليلة ، ثمّ رمي بالعدسة - وهي بثرة تشبه [ العدسة ، من جنس ] الطاعون - فقتلته ، فلم يحفروا له حفرة ، بل أسندوه إلى حائط ، وقدفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتّى واروه ، لأنّ العرب كانت تتشأم بالعدسة ، ويرون أنّها تعدي أشدّ العدوى (٦) .
وفي رواية : حفروا له ثمّ دفعوه بعود في حفرته ، وقذفوه بالحجارة [ من بعيد ] حتّى واروه (٧) .
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ
عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية استهزاء الكفّار بالرسول صلىاللهعليهوآله ومكرهم به ، حكى تصريحهم بانكار رسالته بقوله : ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من المشركين واليهود لك : ﴿لَسْتَ﴾ يا محمّد ﴿مُرْسَلاً﴾ من قبل الله ﴿قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ على رسالتي وحاكما ﴿بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ بصدق دعواي ، فانّ إظهاره المعجزات الدالة على رسالتي شهادة قاطعة منه عليها ، ﴿وَ﴾ كذا ﴿مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ﴾ وإحاطة كاملة بجهات إعجاز القرآن ، وهم المؤمنون المصدّقون به المتدبّرون فيه.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٦٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٧٦.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٨٩.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٣٩٠.
(٤) تفسير روح البيان ٤ : ٣٩٠.
(٥) في تفسير روح البيان : مصاب.
(٦ و٧) تفسير روح البيان ٤ : ٣٩٠.