الْحِسابُ * أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا
مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤٠) * (٤١)﴾
ثمّ أنه تعالى بعد رفع شبهات الكفّار في نبوة نبيه صلىاللهعليهوآله ، هدّدهم بالعذاب ، وأمر نبيه صلىاللهعليهوآله بالثبات على التبليغ ، وعدم الاعتناء بترّهاتهم بقوله : ﴿وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ﴾ يا محمّد ﴿بَعْضَ﴾ العذاب ﴿الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ نزوله عليهم في الدنيا ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قبل تعذيبهم ، ونعذّبهم بعد وفاتك ، وعلى أيّ تقدير لا تعتن بمقالاتهم ، واشتغل بما هو وظيفتك ﴿فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ﴾ وبيان ما انزل عليك وإتمام الحجّة عليهم ﴿وَعَلَيْنَا الْحِسابُ﴾ ومجازاة العصاة والطغاة في الدنيا والآخرة ، لا عليك.
ثمّ أنهم كيف ينكرون نزول العذاب عليهم مع أنّهم يرون أمارات صدق وعدنا ﴿أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ﴾ التي سكنوها (١)﴿نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها﴾ وجوانبها باستيلاء المسلمين عليها وإلحاقها بدار الاسلام ، وإهلاك أهلها بالقتل ، وإذلالهم بالأسر ، وإجلائهم منها بالإلجاء ، وذلك من أعظم الأمارات وأقوى الدلالات على أنّ الله ينجز وعده.
عن ابن عباس : المراد من نقص أطرافها موت أشرافها وكبرائها وعلمائها ، وذهاب الصّلحاء والأخيار (٢) .
وقيل : ﴿نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها﴾ يعني بموت أهلها ، وتخريب ديارهم وبلادهم (٣) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « يعني بذلك ما يهلك من القرون ، فسمّاه إتيانا » (٤) .
أقول : فيكون المراد أنّهم كيف أمنوا من أن يحدث فيهم أمثال تلك الوقائع.
ثمّ أكّد سبحانه ذلك بقوله : ﴿وَاللهُ يَحْكُمُ﴾ بما يشاء ، وقد حكم بنزول الدواهي والبلايا على الكفّار ، وبنصرة المسلمين عليهم ﴿لا مُعَقِّبَ﴾ ولا رادّ ﴿لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ بل هو نافذ في كلّ شيء.
﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ
الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تأكيد وعده بقوله : ﴿وَقَدْ مَكَرَ﴾ الامم ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ بأنبيائهم (٥) وسعوا في الاضرار بهم ، كما مكر كفّار قومك بك ودبّروا في قتلك ، وصرف الناس عنك ، وفي إبطال
__________________
(١) في النسخة : سكونها.
(٢ و٣) تفسير الرازي ١٩ : ٦٧.
(٤) الاحتجاج : ٢٥٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٧٦.
(٥) كذا أثبتناها ، وهي في النسخة غير مقروءة.