إلى يوم القيامة. فقلت له : أية آية ؟ قال : قول الله : ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾(١) .
وعنه عليهالسلام : « العلم علمان ؛ فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، وعلم علّمه ملائكته ورسله ، فما علّمه ملائكته ورسله فانّه سيكون ، لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون يقدّم منه ما يشاء ويوخّر ما يشاء [ ويمحو ما يشاء ] ويثبت ما يشاء » (٢) .
أقول : لا منافاة بين تلك الروايات إلّا الأخيرتين ، ولا يهمّنا الجمع بينهما لعدم حجّيتهما.
ثمّ العجب من الفخر الرازي حيث إنّه ينسب القول بالبداء الحقيقي إلى الشيعة. قال في تفسيره : قالت الرافضة : البداء جائز على الله تعالى ، وهو أن يعتقد شيئا ثمّ يظهر له أنّ الأمر بخلاف ما اعتقده ، وتمسّكوا فيه بقوله : ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾
ثمّ قال : واعلم أنّ هذا باطل ؛ لأنّ علم الله من لوازم ذاته المخصوصة ، وما كان كذلك كان دخول التغيّر والتبدّل فيه محالا (٣) ، انتهى.
فانّ أحدا من الشيعة لم يجوّز البداء الحقيقي عليه تعالى ، وقوله : يكون العلم من لوازم ذاته تعالى ، في غاية الفساد ؛ لأنّ اللازم مغاير في الوجود مع ملزومه ، وتلك الغايرة مقتضية لكون العلم عارضا لذاته المقدّسة ، وهو محال ، فان الواجب لا يمكن أن يكون معروضا لعارض أبدا ، فلا بدّ من كون العلم عين ذاته ، بمعنى أنّه ينتزع من إحاطته على الموجودات - وقيّوميته عليها ، وحضورها عنده نحو حضور المعلول عند العلة - مفهوم العلم له ، مع أنّه ليس لهذا المفهوم خارج إلّا ذاته البحت البسيط على الاطلاق ، وعليه فلا يمكن القول بالبداء الحقيقي ؛ لأنّه مستلزم للعلم بعد الجهل ، بل مرادهم أنّ الله تعالى يظهر ما هو في صورة البداء مع أنّه ليس ببداء في الواقع كالنّسخ في الأحكام ، مع أنّه ليس بنسخ في الحقيقة ، بل هو إظهار غاية الحكم مع توهّم الناس إطلاقه وأبديته من إطلاق الخطاب ، بل القائل بالبداء الحقيقي هو وأصحابه الذين يروون عن أبي الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوآله « أن الله سبحانه وتعالى في ثلاث ساعات بقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء » (٤) وهذا الكتاب الذي في الرواية هو اللوح المحفوظ ، ومن المعلوم من مذهبنا أنّه محفوظ من التغيير.
﴿وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٣٩٤ / ٢٢٣٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٧٥.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٣٩٦ / ٢٢٤٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٧٥.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ٦٦.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ٦٦.