حتى لا يبقى لأحد مجال الشكّ والترديد فيها ، وأمّا الزائد عليه فليس على الله بحتم ، بل إن شاء أذن وإن لم يشأ لم يأذن.
ومنها أنّ محمّدا لو كان نبيا لأنزل علينا بالعذاب الذي أو عدنا به على إنكار التوحيد ورسالته ، فأبطلها سبحانه بقوله : ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ﴾ وحادث قضاه الله ، أو لكل أجل من آجال الناس ، أو لكلّ وقت من الأوقات ﴿كِتابٌ﴾ ووقت معين مثبوت عند الله في اللوح المحفوظ لا يزاد ولا ينقص ، ولا يتقدّم ولا يتأخّر ، ولا يطّلع عليه أحد غيره ، فنزول العذاب على الكفّار ونصرة الأنبياء ، وإن كانا ممّا قضاه الله ، ولكن لهما وقت معين مكتوب ، فلا يدلّ تأخيرهما على كون المخبر بهما كاذبا.
ومنها أن محمّدا لو كان رسولا صادقا لما نسخ الأحكام التي أنزل الله بها في الكتب السماوية كالتوراة والانجيل ، فأزاحها الله بقوله : ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ﴾ محوه من الأحكام ، وينسخ ما يريد نسخه ﴿وَيُثْبِتُ﴾ بدله ما يشاء إثباته من الأحكام على حسب اقتضاء المصلحة في الأزمنة المختلفة والامم المتغايرة.
وقيل : إنّ قوله : ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ﴾ كالمقدمة لتقرير دفع الشّبهة ، إمّا بالقول بأنّ الكلام مقلوب ، والمعنى لكلّ كتاب من الكتب السماوية أجل ينزله فيه وقت يعمل به ، فوقت العمل بسائر الكتب قد انقضى وحضر وقت العمل بالقرآن ، أو المراد لكلّ حادث وقت معين قضى الله حصوله وبقاءه فيه كالحياة والموت ، والغنى والفقر ، وغير ذلك (١) . فاذا لم يمتنع أن يحيي أولا ثم يميت ثانيا ، فكيف يمتنع أن يشرع الحكم في بعض الأوقات ثمّ ينسخه في بعض آخر منها ؟
ثمّ أنّه تعالى بعد تقرير هذه المقدمة قال : ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ﴾ والمعنى أنّه يوجد تارة ويعدم تارة اخرى ، ويحيي تارة ويميت اخرى ، وكذلك يشرّع الحكم وينسخه حسب ما اقتضته الحكمة والمصلحة.
وقيل : يمحو من ديوان الحفظة الذين شغلهم كتب كلّ قول وعمل ما يترتّب عليه الجزاء ويثبت الباقي. أو يمحو سيئات التائب ويثبت مكانها الحسنات. أو يمحو قرنا ويثبت آخرين. أو يمحو الفاسدات من العالم الجسماني ، ويثبت الكائنات. أو يمحو الرزق ، ويثبت ويزيد فيه. أو يمحو الأجل أو السعادة والشقاوة (٢) . وروى [ هذا ](٣) عن جابر ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والظاهر تعميم المحو والاثبات للكلّ (٤) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ٦٤.
(٢) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٧.
(٣) في تفسير أبي السعود : وهذا رواه.
(٤) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٧.