﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ
عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد توعيد المشركين بالعذاب الدنيوي والاخروي وإظهار غضبه عليهم ، وعد الموحّدين بالجنة الموصوفة بالصفات العالية ، وأعلن برحمته ولطفه بهم بقوله : ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ عن الشرك والمعاصي وصفتها العجيبة أنّ فيها قصورا وغرفا وأشجارا ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة من الماء واللّبن والخمر والعسل و﴿أُكُلُها﴾ وثمراتها ﴿دائِمٌ﴾ لا انقطاع لها ولا نفاد ﴿وَظِلُّها﴾ أيضا دائم لا زوال له كما يزول في الدنيا بالشمس.
وقيل : إنّ لفظ الظلّ كناية عن الاستراحة ؛ لأنّ الظلّ عند العرب ممّا يعظم فيه استراحتهم (١) .
﴿تِلْكَ﴾ الجنّة الموصوفة بالأوصاف ﴿عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ وما لهم ونتيجة أعمالهم ﴿وَعُقْبَى الْكافِرِينَ﴾ ومآل أمرهم في الآخرة ﴿النَّارُ﴾ التي سخّرها الجبّار بغضبه.
﴿وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ
بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات توحيده ، وبيان كثير من المطالب العالية الموافقة لما في الكتب السماوية ، استدلّ على صحّتها بتصديق أهل الكتاب وعلمائهم لها بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ﴾ من التوراة والانجيل وغيرهما من الكتب ﴿يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ من القرآن ؛ لأنّهم يجدونه موافقا لما في كتبهم ، ومصدّقا له.
عن الباقر عليهالسلام : « أي يفرحون بكتاب الله إذا تلي عليهم ، وإذا تلوه تفيض أعينهم دمعا من الفزع والحزن » (٢) .
وعن ابن عباس : ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ﴾ هم الذين آمنوا بالرسول صلىاللهعليهوآله من أهل الكتاب كعبد الله بن سلّام وكعب وأصحابهما ، ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلا ، أربعون بنجران ، وثمانية باليمن ، واثنان وثلاثون بالحبشة ، فهم فرحوا بالقرآن كلّه لأنّهم آمنوا به وصدّقوه (٣) .
﴿وَمِنَ الْأَحْزابِ﴾ وهم بقية أهل الكتاب وكفرتهم الذين تحزبّوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله بالعداوة ، ككعب بن الأشرف وأتباعه والسيد والعاقب أسقفي نجران وأتباعهما ﴿مِنَ﴾ إذا سمع القرآن ﴿يُنْكِرُ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٨١.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٦٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٧٣.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ٦٠.