ثمّ زاد سبحانه في الاحتجاج بقوله : ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ﴾ قيل : إنّ المعنى بل أتخبرون الله (١) وتنبّئونه ﴿بِما لا يَعْلَمُ﴾ وجوده ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ مع أنّه عالم ومحيط بما في السماوات والأرض لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة ، فإذا علمتم بالوهية الأصنام فقد علمتم بما لا يعلمه الله ، وهو محال ، فعدم علمه تعالى بالوهية هذه الأصنام وإله آخر غير ذاته المقدّسة ، إنّما هو دليل قاطع على عدم الوهية كلّ ما يدّعون الوهيته في الأرض ﴿أَمْ﴾ يتفوّهون ﴿بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ﴾ وصورة لفظ لا معنى ولا واقع لها ولا حقيقة ، فيكون من قبيل لقلقة اللسان ، أو يريدون من تسمية الأصنام باسم الإله ما يكون بذاته وصفاته في غاية البينونة مع الالوهية ، فيكون من قبيل تسمية الزنجيّ بالكافور.
ثمّ نبّه سبحانه على أنّ عقيدة الشّرك ليس ممّا يكون نظر صاحبه إلى الدليل حتى يتكلّف ببيان بطلانه أو إقامه الدليل العقلي على خلافة ﴿بَلْ زُيِّنَ﴾ بتسويلات الشيطان واقتضاء الأهواء الرائعة ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ﴾ واعتقادهم الفاسد وتخيّلهم الباطل ، فلا تكلّف نفسك باقامة الحجّة العقلية على بطلان اعتقادهم ، لأنّهم لا ينتفعون بها ﴿وَصُدُّوا﴾ ومنعوا ﴿عَنِ﴾ طريق الحقّ و﴿السَّبِيلِ﴾ المستقيم بسلب توفيق سلوكها عنهم ، فأضلّهم الله ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ﴾ عن الهدى بالخذلان ﴿فَما لَهُ مِنْ هادٍ﴾ يهديه إلى الحقّ ، ويوصله إلى السعادة والخير.
﴿لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ
واقٍ (٣٤)﴾
ثمّ بيّن سبحانه نتيجة ضلالهم وعاقبته بقوله : ﴿لَهُمْ عَذابٌ﴾ شاقّ شديد ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ ومدّة أعمارهم فيها بالقتل والأسر والخزي وسائر المصائب ﴿وَ﴾ والله (٢)﴿لَعَذابُ الْآخِرَةِ﴾ المعدّ لهم فيها ﴿أَشَقُ﴾ وأصعب وأخزى لغاية شدّته ودوامه ﴿وَما لَهُمْ مِنَ﴾ عذاب ﴿اللهِ﴾ وقهره ﴿مِنْ واقٍ﴾ وحافظ يقيهم ويحفظهم منه.
في حديث المعراج : ثمّ أتى صلىاللهعليهوآله على واد ، فسمع صوتا منكرا ، فقال : « يا جبرئيل ، ما هذا الصوت ؟ » قال : صوت جهنّم تقول : يا ربّ إئتني بأهلي وبما وعدتني ، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغسّاقي وغسليني ، وقد بعد قعري ، واشتدّ حرّي ، ائتني بما وعدتني. قال : لك كلّ مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكلّ جبّار لا يؤمن بيوم الحساب. قالت : رضيت (٣) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٧٩.
(٢) كذا ، ولا موضع للقسم في الآية.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٣٨٠.