ثمّ روي أنّ طائفة من المؤمنين قالوا : يا رسول الله ، أجب هؤلاء الكفّار إلى ما اقترحوه من الآيات ، فعسى أن يؤمنوا (١) ، فأظهر الله سبحانه التعجّب من توقّع المؤمنين إيمان هؤلاء المقترحين ورجائهم فيه بقوله : ﴿أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ولم ينقطع رجاءهم من إيمان هؤلاء ، وليعلموا ﴿أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ﴾ الإجبار على الهداية والإيمان ﴿لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً﴾ حتى هؤلاء المصرّين على الكفر ، ولكن إجبارهم على الهداية والايمان خلاف الحكمة ، ولذا لم يشأ ذلك ، وهم باختيارهم لا يؤمنون أبدا لشدّة لجاجهم وعنادهم للرسول ودين الحقّ.
وقيل : إنّ ييئس بمعنى يعلم حقيقة على لغة النّخع (٢) ، أو مجازا بعلاقة أنّ العلم بأنّ الشيء لا يكون يوجب اليأس من كونه ، وعليه يكون المعنى أ فلم يعلم المؤمنون أن لو يشاء الله ، الى آخره.
وروي أنه قرأ أمير المؤمنين والسجّاد وجعفر بن محمد عليهمالسلام ( أفلم يتبين ) ونسبت تلك القراءة إلى جماعة من الصحابة والتابعين (٣) . ولا بدّ من حمل القراءة في الروايات على التفسير.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان لجاج الكفّار واقتراحهم على النبيّ صلىاللهعليهوآله سلّى قلبه الشريف بقوله : ﴿وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأصرّوا على كفرهم وعنادهم ﴿تُصِيبُهُمْ﴾ وتنزل عليهم جزاء ﴿بِما صَنَعُوا﴾ من الكفر والاقتراح عليك واستهزائهم بك ﴿قارِعَةٌ﴾ وداهيّة عظيمة تفزعهم وتفجأهم من البلايا والمصائب الشديدة ﴿أَوْ تَحُلُ﴾ وتنزل الداهية ﴿قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ﴾ وبلدهم وهو مكة ، ويفزعون ويضطربون ، وتصل إليهم شرارها ، ويتعدّى إليهم شرورها ﴿حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ﴾ من الموت أو القيامة.
وقيل : إنّ المعنى لا يزال كفّار مكّة تصيبهم بما صنعوا برسول الله صلىاللهعليهوآله من العداوة والتكذيب قارعة ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة ، وتختطف منهم ، وتصيب من مواشيهم ، أو تحلّ أنت - يا محمّد - قريبا من دارهم بجيشك ، كما حلّ بالحديبية حتى يأتي وعد الله ، وهو فتح مكة ، وقد كان الله وعده ذلك (٤)﴿إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾
عن الباقر عليهالسلام : « ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ، وهي النّقمة ، أو تحلّ قريبا من دارهم ، فتحلّ بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به ، والذين حلّت بهم عصاة كفّار مثلهم ولا يتّعظ بعضهم ببعض ، ولا يزالون كذلك حتى يأتي وعد الله الذي وعد المؤمنين من النصر » الخبر (٥) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٧٧.
(٢) تفسير الرازي ١٩ : ٥٣.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٤٤٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٧١.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ٥٤.
(٥) تفسير القمي ١ : ٣٦٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٧١.