الله صلىاللهعليهوآله في غدير خمّ (١) .
أقول : يعني هذا العهد من جملة العهود التي نقضوها.
﴿وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ من حبل ولاية الله ورسوله والأئمة والمؤمنين والأرحام ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ بالكفر والطغيان والعصيان والظلم على العباد وتهييج الفتن بين المسلمين.
ثمّ بيّن الله نتيجة تلك الرذائل بقوله : ﴿أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ والبعد عن الرحمة في الآخرة ﴿وَلَهُمْ سُوءُ﴾ العاقبة في هذه ﴿الدَّارِ﴾ الدنيّة ، وهي جهنم وبئس القرار.
﴿اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا
فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ * وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ
يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٦) و (٢٧)﴾
ثمّ لمّا كان مجال توهّم المنافاة بين البعد عن الرحمة ووفور النعمة عليهم في الدنيا ، دفعه الله سبحانه بقوله : ﴿اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ ويوسّعه في الدنيا ﴿لِمَنْ يَشاءُ﴾ بسطه وتوسيعه عليه ﴿وَيَقْدِرُ﴾ ويضيّق على من يشاء تقديره وتضييقه عليه على حسب اقتضاء حكمته في نظام العالم وصلاح الأشخاص من غير مدخلية للايمان والكفر فيه ، بل كثيرا ما يكون صلاح المؤمن في الفقر والشدّة ؛ لأنّه موجب لإقبال قلبه إلى الله ، وإعراضه عن الدنيا ، واستحقاقه مثوبة الصبر ، والكفر يكون من عقوبته توفير النّعم الموجب لخذلان الكافر وبعده من الله واستغراقه في الدنيا.
ثمّ وبّخ الكفّار على حبّهم الدنيا وفرحهم بها بقوله : ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا﴾ ونعيمها ولذائذها ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿مَا الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ ونعمها ﴿فِي﴾ جنب ﴿الْآخِرَةِ﴾ ونعهما ﴿إِلَّا مَتاعٌ﴾ قليل ونفع يسير في أيام قلائل ، ثمّ يفنى ويزول ، ولذا لا ينبغي للعاقل أن يفرح به ، وعليه أن يهتمّ في تحصيل الآخرة ونعمها الدائمة التي لا انقطاع لها أبدا.
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ الكفّار بالصفات الرذيلة ، ذمّهم باللّجاج والتعنّت على النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ﴾ ومعجزة زائدة على ما أتى به ، أو كمعجزات موسى وعيسى عليهماالسلام ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾ الذي يدّعي رسالته من قبله ﴿قُلْ﴾ يا محمّد : قد أنزل الله عليّ من المعجزات زائدا على ما يكتفي به العاقل المنصف في الإيمان والتصديق ، كما ترون أنّه اكتفى به جمع كثير ، وإنّما لا تكتفون بما أتيت لعدم قابليتكم (٢) للهداية ﴿إِنَّ اللهَ يُضِلُ﴾ ويحرف عن طريق
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٦٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٩.
(٢) كذا ، ولعلّه يريد استحقاقكم.