﴿أُولئِكَ﴾ الكاملون المتّصفون بتلك الصفات الحميدة ﴿لَهُمْ عُقْبَى﴾ حسنة محمودة لهذه ﴿الدَّارِ﴾ الفانية ، وتلك العاقبة ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ وبساتين إقامة. وقيل : جنّات عدن هي جنات في وسط الجنان (١) ، هم ﴿يَدْخُلُونَها﴾ في الآخرة ﴿وَ﴾ معهم ﴿مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ﴾ قيل : المراد بالآباء أعمّ من الأمهات ، وإنّما الصلاح بالايمان والعمل (٢) .
عن ابن عباس : يريد من صدّق بما صدّقوا به ، وإن لم يعملوا مثل عملهم (٣) .
﴿وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ وأولادهم وأولاد أولادهم وإن نزلوا ، تبعا لهم ، وتعظيما لشأنهم ، وليكونوا مسرورين بهم ، آنسين بصحبتهم وإن لم يبلغوا في الفضل مبلغهم ، كما عن ابن عباس (٤) .
عن الصادق عليهالسلام ، أنّه سئل عن المؤمن له امرأة مؤمنة يدخلان الجنة ، يتزوج أحدها الآخر ؟ فقال : « إنّ الله حكم عدل ، إذا كان أفضل منها خيّره ، فان اختارها كانت من أزواجه ، وإن كانت هي خير منه خيّرها ، فان اختارته كان زوجا لها » (٥) .
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : أنّ أمّ سلمة قالت له : بأبي أنت وأمّي ، المرأة يكون لها زوجان فيموتان ، لأيّهما تكون ؟ فقال : « يا أمّ سلّمة ، تخيّر أحسنهما خلقا ، وخيرهما لأهله. يا امّ سلمة ، إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة » (٦) .
ثمّ روي عن ابن عباس : أنّ لهم خيمة من درّة مجوّفة ، طولها فرسخ ، وعرضها فرسخ ، لها ألف باب ، مصاريعها من ذهب (٧) .
﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ﴾ وقيل : يدخلون من كلّ باب من أبواب البرّ ، كباب الصلاة ، وباب الزكاة ، وباب الصوم ، وباب الصبر (٨) . أو من أبواب غرفهم وقصورهم ، وهم مع غاية جلالتهم وعظمة منزلتهم يقولون لهم تحية وإكراما وبشارة بدوام سلامتهم من المكاره : أيها المؤمنون ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ وإنّما يكون ذلك السّلام والتكريم لكم ﴿بِما صَبَرْتُمْ﴾ في الدنيا على طاعة الله وشدائد الدهر ، وأبشروا بأنّ مصيركم إلى الجنة ونعيمها ، فتلك عاقبة أمركم ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ التي كنتم فيها.
روى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يأتي قبور الشهداء رأس كلّ حول ، فيقول : ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾(٩)
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٦٧.
( ٢و٤ ) تفسير الرازي ١٩ : ٤٤.
(٥) مجمع البيان ٩ : ٣١٨ ، تفسير العياشي ٣ : ١٥٤ / ٦١ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٨.
(٦) الخصال : ٤٢ / ٣٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٨.
(٧) تفسير الرازي ١٩ : ٤٥.
(٨) تفسير الرازي ١٩ : ٤٥.
(٩) تفسير الرازي ١٩ : ٤٥ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٨.