اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٥) و (١٩٦)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على أن الأصنام أدون من الإنسان ، بل من سائر الحيوانات ، ولا يجوز عبادة الأشرف للأدون ، بقوله تقريرا لهم : ﴿أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها﴾ كما أنّها لكم ، بل لسائر الحيوانات ﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ﴾ ويعملون أو يأخذون ﴿بِها﴾ ما يريدون عمله أو أخذه ، كما أنّ لكم أيديا كذلك ﴿أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ﴾ المبصرات ﴿بِها﴾ كما أنّ للحيوانات أعينا كذلك ﴿أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ﴾ الأصوات ﴿بِها﴾ كما أنّ للحيوانات آذانا كذلك ، فإذا لم يكن للأصنام هذه الجوارح الحيّة الفاعلة التي تكون لكم بل لسائر الحيوانات ، فأنتم بل سائر الحيوانات أفضل وأشرف منها ، ولا يجوز عبادة الأفضل والأشرف للمفضول والأوضع.
ثمّ لمّا كان المشركون يخوّفون النبي صلىاللهعليهوآله بآلهتهم ، أمره بأن يعلن بعدم قابليّتها لأن يخاف منها بقوله : ﴿قُلِ﴾ يا محمّد ، للمشركين : ﴿ادْعُوا﴾ الأصنام التي تعتقدون أنّها ﴿شُرَكاءَكُمْ﴾ في أموالكم ، وأنها أنداد لله في الالوهيّة ليعينوكم على الإضرار بي ﴿ثُمَ﴾ أنتم وشركاؤكم ﴿كِيدُونِ﴾ واسعوا فيما تقدرون عليه من الإساءة إليّ ﴿فَلا تُنْظِرُونِ﴾ ولا تمهلوني ساعة فإنّي لا ابالي بكم.
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ﴾ وناصري عليكم ، وحافظي من كلّ سوء هو ﴿اللهُ﴾ الواحد القادر القاهر حيث إنّه ﴿الَّذِي﴾ أكرمني بأن ﴿نَزَّلَ﴾ عليّ ﴿الْكِتابَ﴾ العزيز ، وأوحى إليّ القرآن المجيد ﴿وَهُوَ﴾ بلطفه ﴿يَتَوَلَّى﴾ وينصر ﴿الصَّالِحِينَ﴾ من عباده على أعدائهم فضلا عن أنبيائه ، فكيف يخذلني بينكم ؟
﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ
تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ
لا يُبْصِرُونَ (١٩٧) و (١٩٨)﴾
ثمّ بالغ في إظهار عدم المبالاة بأصنامهم بقوله : ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ وتعبدونهم ممّا سوى الله و﴿مِنْ دُونِهِ﴾ أيّها المشركون بالغون من العجز إلى الغاية ، حيث إنّهم ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾ على أحد ، ولا يقدرون على إعانتكم في أمر ، بل و﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ إن تأتيهم نائبة ﴿يَنْصُرُونَ﴾ بدفعها.
ثمّ أنّه تعالى بعد نفي الحواسّ والقوى عن الأصنام ، نفاهما عن جميع المشركين لتأمين النبيّ صلىاللهعليهوآله والمؤمنين عن إساءتهم إليهم بقوله : ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ﴾ أيّها الرّسول والمؤمنون ﴿إِلَى الْهُدى﴾ وما فيه خيرهم من الإقرار بدين الحقّ لا يهتدوا ، كأنّهم ﴿لا يَسْمَعُوا﴾ دعاءكم فضلا عن أن يكيدوا بكم ويتعاونوا على الإضرار عليكم ﴿وَتَراهُمْ﴾ يا محمّد أنّهم ﴿يَنْظُرُونَ﴾ بأعينهم ﴿إِلَيْكَ وَهُمْ﴾ عمي