﴿وَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ إذا طرأ على عبدتها أمر مهمّ ﴿لَهُمْ﴾ جزاء لعبادتها ﴿نَصْراً﴾ وإعانة بجلب نفع أو دفع ضرر ، بل ﴿وَلا أَنْفُسَهُمْ﴾ إذا أصابهم سوء ﴿يَنْصُرُونَ﴾ بدفع ما يعتريها من السّوء ، كما إذا أراد أحد كسرها أو لطخها بالألواث.
قيل : إنّ المشركين كانوا يلطّخون أفواه أصنامهم بالخلوق (١) والعسل ، [ وكان ] يجتمع عليها الذّباب ، فلا تقدر على دفع الذّباب عن أنفسها (٢) .
ثمّ بالغ سبحانه في سلب أهليّة الأصنام للعبادة بسلب الحياة والشّعور منها ، وأهليّتها لكونها تابعة لعبدتها فيما هو صلاحها ، بقوله : ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ﴾ أيّها المشركون ﴿إِلَى﴾ شيء من ﴿الْهُدى﴾ والصواب ﴿لا يَتَّبِعُوكُمْ﴾ ولا يوافقوكم في مرادكم لعدّم حياتهم وشعورهم وعلمهم بدعوتكم.
ثمّ أكّد سبحانه ذلك بقوله : ﴿سَواءٌ عَلَيْكُمْ﴾ ولا تفاوت في حقّكم ﴿أَ دَعَوْتُمُوهُمْ﴾ إلى إنجاح حوائجكم ، أو إلى ما فيه صلاحكم وخيركم ﴿أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ﴾ وساكتون عن دعوتها.
قيل : إنّ المشركين كانوا إذا وقعوا في أمر مهمّ ومعضل تضرّعوا إلى الأصنام ، فإذا لم يحدث منها في تلك الواقعة شيء بقوا ساكتين ، فقيل لهم : لا فرق بين دعائكم وبين أن تستمرّوا في صمتكم (٣) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في بيان عدم صلاحية الأصنام للعبادة بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ وتعبدون ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وممّا سواه ، على فرض حياتهم وشعوهم كما تعتقدون ﴿عِبادٌ﴾ لله ﴿أَمْثالُكُمْ﴾ مملوكون مسخّرون تحت قدرة خالقهم ، والحال أنّها جمادات لا شعور لها ﴿فَادْعُوهُمْ﴾ إلى كشف مضارّكم وقضاء حوائجكم ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا﴾ دعاءكم ، ويقضوا ﴿لَكُمْ﴾ حوائجكم ، ويكشفوا عنكم مضارّكم ، ويدفعوا عنكم الشّدائد والبلايا ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ فيما تدعون من كونهم أحياء شاعرين قادرين ، فإن ثبت كونها فاقدات للحياة والشّعور ، عاجزات عن إبصال النّفع ، فلا يجوز بحكم العقل عبادتها والالتفات إليها.
﴿أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ
لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ
__________________
(١) الخلوق : ضرب من الطّيب أعظم أجزائه الزّعفران.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٢٩٥.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ٩١.