الله أو المثوبة الحسنى وهي الجنّة والنّعم الدائمة ، أو الحالة الحسنى في مدّة عمرهم وهي الإعراض عن الدنيا وفراغة القلب من همّها ، والانس مع الله والالتذاذ بمناجاته ، وإقبال القلب إلى الآخرة ، والاشتغال بما يوجب الفوز بنعمها.
﴿وَ﴾ أمّا ﴿الَّذِينَ﴾ سمعوا دعوة ربّهم و﴿لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ﴾ ولم يقبلوا دين الحق واتّبعوا الباطل ﴿لَوْ﴾ فرض ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ في القيامة ﴿ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ من النقود والأمتعة والضّياع والعقار وغيرها ﴿وَ﴾ أن ﴿مِثْلَهُ مَعَهُ﴾ وكان لهم ضعف ما في الدنيا ﴿لَافْتَدَوْا بِهِ﴾ أنفسهم من العذاب ، وبذلوه لتخليص أنفسهم منه ، ما تقبّل منهم ﴿أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ﴾
عن عائشة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلّا هلك » قلت : أو ليس يقول الله : ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ؟﴾(١) فقال : « إنّما ذلك العرض ، ولكن من نوقش في الحساب يهلك » (٢) .
عن الصادق عليهالسلام - في تفسير سوء الحساب - قال : « هو أن لا يقبل منهم حسنة ، ولا يغفر لهم سيئة » (٣) .
ثمّ بيّن الله ما يترتّب على سوء الحساب والمناقشة فيه بقوله : ﴿وَمَأْواهُمْ﴾ ومرجعهم بعد المناقشة في الحساب ﴿جَهَنَّمُ وَ﴾ هي ﴿بِئْسَ الْمِهادُ﴾ والمستقرّ الذي مهّدوه لأنفسهم.
﴿أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا
الْأَلْبابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (١٩) و (٢٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إنكاره التساوي بين الأعمى والبصير ، بيّن المراد منهما بقوله : ﴿أَ فَمَنْ يَعْلَمُ﴾ ببصارة قلبه وتنوّر ضميره ﴿أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ من القرآن وما فيه من المعارف والأحكام هو ﴿الْحَقُ﴾ والثابت في الواقع ﴿كَمَنْ هُوَ﴾ لظلمة باطنه وخبث ذاته والختم على قلبه ﴿أَعْمى﴾ فاقد البصيرة بحيث لا يرى المهلكة والمأمن ، ولا يميز الضارّ والنافع ، لا والله ليس أحدهما كالآخر و﴿إِنَّما يَتَذَكَّرُ﴾ التباين بينهما ، أو نفع هذه الأمثلة ، أو نصائح القرآن ﴿أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ وأصحاب العقول السليمة عن شوائب الأوهام.
قال العلامة في ( نهج الحق ) : ﴿أَ فَمَنْ يَعْلَمُ﴾ هو عليّ عليهالسلام (٤) .
ثمّ وصف الله العالمين بحقّانية ما أنزل ، أو اولوا الألباب بقوله : ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ﴾ الذي اخذ منهم على الايمان بتوحيده ورسالة رسله والعمل بأحكامه ﴿وَلا يَنْقُضُونَ﴾ ذلك ﴿الْمِيثاقَ﴾ الذي
__________________
(١) الانشقاق : ٨٤ / ٨.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٦١.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٤٤٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٥.
(٤) نهج الحق وكشف الصدق : ١٩٧.