﴿كَذلِكَ﴾ المثل الذي هو في غاية المطابقة للممثّل له ﴿يَضْرِبُ اللهُ﴾ ويبيّن ﴿الْأَمْثالَ﴾ الاخر التي يأتي بها في كتابه الكريم لإيضاح المطالب العالية للذين لا يدركونها إلّا بذكر ما يشابهها من المحسوسات.
قيل : إنّ الماء الذي به حياة الأشياء مثل للقرآن الذي به حياة القلوب ، والأودية مثل للقلوب ، فانّ كلّا منهما يستفيض من القرآن بقدر استعداده وظرفيته ، والزّبد مثل الهواجس النفسانيّة والوساوس الشيطانية ، وكما أنّ الزّبد لا وزن له ولا نفع ، كذلك الباطل لا قدر له ولا ثواب عليه ، والحقّ والايمان ينتفع به في الدنيا والآخرة ، كما ينتفع بالماء في الدنيا غاية الانتفاع ، والكفر والباطل لا ينتفع بهما لا في الدنيا ولا في الآخرة (١) .
عن القمي رحمهالله يقول : أنزل الله الحقّ من السماء فاحتملته القلوب بأهوائها ؛ ذو اليقين على قدر يقينه ، وذو الشكّ على قدر شكّه ، فاحتمل الهوى باطلا كثيرا وجفاء ، فالماء هو الحقّ ، والأودية هي القلوب ، والسيل هو الهوى ، والزّبد وخبث الحلية هو الباطل (٢) ، والمتاع هو الحقّ ، من أصاب الحلية والمتاع في الدين انتفع به ، وكذلك صاحب الحقّ يوم القيامة ينفعه ، ومن أصاب الزّبد وخبث الحلية لم ينتفع ، وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به (٣) .
وفي ( الاحتجاج ) عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « قد بيّن الله تعالى قصص المغيّرين ، فضرب مثلهم بقوله : ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ فالزّبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن ، وهو يضمحلّ ويبطل ويتلاشى عند التحصيل ، والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا ومن خلفه ، والقلوب تقبله ، والأرض في هذا الموضع هي محلّ العلم وقراره » الحديث (٤) .
﴿لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه فائدة الحقّ والخلوص في عبادته بقوله : ﴿لِلَّذِينَ﴾ اختاروا دين الحقّ و﴿اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ دعوته الحقّ بأن آمنوا بتوحيده ورسالة رسوله وعملوا بمرضاته الاستجابة ﴿الْحُسْنى﴾ من
__________________
(١) تفسير روح البيان ٤ : ٣٦٠.
(٢) في المصدر : والزبد هو الباطل والحلية.
(٣) تفسير القمي ١ : ٣٦٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٤.
(٤) الاحتجاج : ٢٤٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٥.