ومنها آلهتكم وأصنامكم ، فكيف يمكن أن يكون أولياؤكم شركاءه تعالى في الالوهية والعبادة ؟ !
﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا
يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ
وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ضرب المثل لنبيه صلىاللهعليهوآله وللمشركين وللشرك والتوحيد ، أو للكافر والمؤمن ، وللايمان والكفر ، بالأعمى والبصير ، والظلمات والنور ، ضرب مثلين للحقّ والباطل توضيحا للحق بقوله : ﴿أَنْزَلَ﴾ الله ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ المطلّ (١) ، أو من جهة العلوّ ﴿ماءً﴾ مباركا إلى الأرض ﴿فَسالَتْ﴾ من ذلك الماء المنزل ﴿أَوْدِيَةٌ﴾ وأراض منخفضة عن الجبال والتلال ، وجرى الماء فيها ﴿بِقَدَرِها﴾ وحدّ سعتها ، أو بمقدارها الذي علم الله أنّها النافع للناس ، فيسيل ذلك الماء ﴿فَاحْتَمَلَ﴾ ذلك ﴿السَّيْلُ﴾ والماء الكثير الجاري في تلك الأودية لشدّة جريانه ﴿زَبَداً﴾ ورغوا ﴿رابِياً﴾ ومرتفعا عليه ، أو طافيا فوقه.
ثمّ بعد ضرب المثل للباطل بالزّبد الحاصل من الماء ، ذكر الزّبد الحاصل من النار بقوله : ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ﴾ ويذوّبه الناس ﴿فِي النَّارِ﴾ من الفلزّات السبعة : الذّهب ، والفضّة ، والنّحاس ، والرّصاص ، والصّفر ، والحديد ، والزّئبق ﴿ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ﴾ وطلبا للزّينة كالقرط والسّوار والخلخال وغيرها ﴿أَوْ﴾ طلب ﴿مَتاعٍ﴾ من أثاث وآلات ينتفع بها كالأواني وأسلحة الحرب وأدوات الحرث ، فانّه بعد ذوبه ينشأ عليه ﴿زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾ كزبد الماء ، يقال له الخبث ﴿كَذلِكَ﴾ المثل البديع المطابق للممثّل له ﴿يَضْرِبُ اللهُ﴾ العالم بحقائق الأشياء ليبيّن ﴿الْحَقَّ وَالْباطِلَ﴾ فانّ الحقّ كالماء الصافي ومذابّ الفلزّ الخالص ، والباطل كالزّبد والخبث.
ثمّ بيّن سبحانه وجه الشّبه بقوله : ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ﴾ الذي للماء ومذابّ الفلزّ ﴿فَيَذْهَبُ﴾ ويعدم من بين النّاس حال كونه ﴿جُفاءً﴾ وغير منتفع به ، وإن كان على الماء والفلزّ المذابّ في بدو حدوثه ﴿وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ في معاشهم ومعادهم كالماء الصافي الذي به حياة كلّ شيء ، والفلزّ الخالص الذي صار زينة ومتاعا لهم ﴿فَيَمْكُثُ﴾ ويبقى ﴿فِي﴾ وجه ﴿الْأَرْضِ﴾ ينتفع به أهلها ، فإنّ الماء ينفذ في عروق الأرض ، ثمّ ينبع من العيون والآبار والقنوات ، والفلزّ الخالص يدوم سنين متطاولة
__________________
(١) السماء مؤنث ، وقد يذكّر.