﴿قُلْ﴾ يا محمّد للمشركين ﴿مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وخالقهما ومالكهما ومدبّر امورهما ؟ . ثمّ لمّا كان الجواب من الوضوح بمثابة [ ما ] لا يليق التأمّل فيه ، وكانوا أيضا معترفين به ، أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بالسرعة في الجواب بقوله : ﴿قُلْ﴾ من غير ريث وانتظار لجوابهم : هو ﴿اللهُ﴾ وحده لا شريك له.
ثمّ أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بتوبيخهم على الشرك بقوله : ﴿قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ﴾ واخترتم مع ذلك ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ وممّا سواه من مخلوقاته لأنفسكم ﴿أَوْلِياءَ﴾ ونظّارا في مصالحكم ، ووكلاء في أموركم مع كونهم جمادات ﴿لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً﴾ يستجلبونه ﴿وَلا ضَرًّا﴾ يدفعونه لغاية عجزهم وعدم شعورهم ، فاذا عجزوا عن تحصيل النفع لأنفسهم ودفع الضرر عنهم ، كانوا من تحصيل نفعكم ودفع الضرر عنكم أعجز ، فاذن كانت عبادتهم والخضوع لهم عين السّفه والعبث.
ثمّ لمّا كان المشركون يمتنعون من اتّباع النبي صلىاللهعليهوآله ، ويدّعون تساويهم معه في البشرية وعدم فضيلة له عليهم ، وكان ذلك من عمى قلوبهم ، أمر سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآله بالزامهم بما هو البديهي عند جميع العقلاء من عدم التساوي بين العالم والجاهل بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، لمن يقدح في نبوتك بكونك بشرا مثلهم : ﴿هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى﴾ الواقعي الذي لا بصيرة له ﴿وَالْبَصِيرُ﴾ بجميع المعارف والعلوم الحقيقية ؟ فأنتم ذلك الأعمى ، وأنا ذلك البصير ، فكيف أكون مثلكم ؟ ثم تدّعون أنّ الشرك أفضل من التوحيد ، وأنا أسألكم ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ﴾ وهي شعب الشرك وأنواعه التي أنتم فيها ﴿وَالنُّورُ﴾ الذي هو التوحيد الخالص الذي أنا فيه.
ويحتمل أن يكون المقصود من الجملتين ترغيبهم إلى الإيمان ، كما عن القمّي حيث قال في تفسير الأعمى والبصير : يعني الكافر والمؤمن. وفي تفسير الظلمات والنور : يعني الكفر والايمان (١) .
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان غاية خطأ المشركين في اتخاذ الأصنام أولياء ، أكّد ذلك ببيان عدم علّة لخطئهم ذلك إلّا ما هو أوضح في البطلان ممّا ادّعوه بقوله : ﴿أَمْ جَعَلُوا﴾ قيل : يعني بل جعلوا (٢)﴿لِلَّهِ شُرَكاءَ﴾ ولا وجه لذلك إلّا أنهم رأوا أصنامهم ﴿خَلَقُوا﴾ أشياء ﴿كَخَلْقِهِ﴾ تعالى ﴿فَتَشابَهَ﴾ والتبس ﴿الْخَلْقُ﴾ والخالق ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بسبب ذلك ، وقالوا : إنّ الأصنام لمّا تشارك الله في الخلق ، وجب أن تشاركه في الالوهية والعبادة ، مع وضوح أنّهم لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له.
إذن ﴿قُلْ﴾ لهم - يا محمّد - إرشادا لهم إلى الخلق ، وإعلانا بما في قلوبهم : ﴿اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأرواح والأجسام والجواهر والأعراض ، لا خالق غيره حتى يشاركه في استحقاق العبادة ﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿الْواحِدُ﴾ بلا شبيه ، المتوحّد بالألوهية ﴿الْقَهَّارُ﴾ لكلّ شيء الغالب على جميع الممكنات ،
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٦٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٤.
(٢) تفسير روح البيان ٤ : ٣٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٤.