وقيل : إنّ المراد بالسجود السجود المعهود اختيارا ، والعموم مخصوص بالمؤمنين (١) .
عن الباقر عليهالسلام : « أمّا من يسجد من أهل السماوات طوعا فالملائكة يسجدون لله طوعا ، ومن يسجد من أهل الأرض فمن ولد في الاسلام وهو يسجد طوعا ، وأمّا من يسجد له كرها فمن اجبر على الاسلام ، وأمّا من لم يسجد فظلّه يسجد بالغداة والعشيّ » (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام في ( نهج البلاغة ) : « فتبارك الله الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها ، ويعفّر له خدّا ووجها ، ويلقي بالطاعة إليه سلما وضعفا ، ويعطي العباد (٣) رهبة وخوفا » (٤) .
وقيل : إنّ المراد بالظلّ الجسد ، لأنّه عنه الظّلّ ، أو لأنّه ظلّ للروح لأنّه ظلماني ، والروح نوراني ، وهو تابع له يتحرّك بحركته النفسانية ، ويسكن بسكونه (٥) .
وقيل : لا يبعد أن يخلق الله للظلال عقولا وأفهاما تسجد وتخشع بها ، كما جعل للجبال أفهاما حتّى اشتغلت بتسبيح الله و[ حتى ] ظهر آثار التجلّي فيها كما قال : ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾(٦) .
أقول : قد حقّقنا فيما سبق غير مرة أنّ الوجود ملازم للشعور ، وكلّما كمل الوجود كمل الشعور ، وكلّما ضعف ضعف ، وعليه نقول : إنّ لكلّ شيء سجودا وخشوعا وتسبيحا (٧) لله بحسب حاله ، فجسم الكافر وروحه من حيث إنّه موجود لهما سجود وتسبيح لله ، ولا يدركهما الكافر لفقد بصيرته وعمى قلبه.
قال الزجاج : جاء في التفسير أنّ الكافر يسجد لغير الله ، وظلّه يسجد لله (٨) .
﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ
لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ
تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ
عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إقامة البراهين الكثيرة على توحيده وكمال ذاته وصفاته وغاية عظمته وتخصيص الدعوة الحقّ والخضوع لها (٩) ، أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بأن يلزم المشركين بما هو بديهي العقل والفطرة بقوله :
__________________
(١) تفسير الرازي ١٩ : ٢٩.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٦٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٣.
(٣) في المصدر : له القياد.
(٤) نهج البلاغة : ٢٧٢ / الخطبة ١٨٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٣.
(٥) تفسير الصافي ٣ : ٦٣.
(٦) تفسير الرازي ١٩ : ٣٠ ، والآية من سورة الأعراف : ٧ / ١٤٣.
(٧) في النسخة : سجود وخشوع وتسبيح.
(٨) تفسير الرازي ١٩ : ٣٠.
(٩) في النسخة : به.