﴿وَ﴾ أمّا ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ ويعبدون شيئا ، أو الأصنام الذين يدعون هؤلاء المشركون بالله ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ وممّا سواه ﴿لا يَسْتَجِيبُونَ﴾ دعاء الذين دعوهم ، ولا يقضون ﴿لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ من حوائجهم ، ولا يكون دعاؤهم وعبادتهم لهم ﴿إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ﴾ ومادّ يديه ﴿إِلَى الْماءِ﴾ الذي في قعر البئر ﴿لِيَبْلُغَ﴾ ذلك الماء ﴿فاهُ﴾ من دون أن يخرجه بدلو وحبل ، ومن الواضح أنّ ذلك الماء لا يكون واصلا إلى فيه بنفسه ﴿وَما هُوَ بِبالِغِهِ﴾ بصرف بسط اليد إليه واستدعائه أن يخرج من البئر ويبلغ فاه ؛ لأنّه جماد لا يسمع الدعاء ، ولا يتحرّك من محلّه بغير محرّك شاعر ، فكذا ما يدعو المشركون من الجمادات لا يسمعون دعاءهم ، ولا يستطيعون إجابتهم ، ولا يقدرون على نفعهم.
عن الباقر عليهالسلام : « هذا مثل ضربه الله للذين يعبدون الأصنام والذين يعبدون الآلهة من دون الله فلا يستجيبون لهم بشيء ، ولا ينفعهم إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليتناوله من بعيد ولا يناله » (١) .
ثمّ بيّن عدم انتفاع المشركين بدعوتهم وعبادتهم بقوله : ﴿وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ﴾ وعبادتهم ﴿إِلَّا فِي ضَلالٍ﴾ وضياع لا ينتفعون بها أبدا ، ثمّ أنّه تعالى بعد تخصيص الدعوة الحقّة بذاته المقدسة ، خصّ الخضوع والانقياد أيضا بنفسه بقوله : ﴿وَلِلَّهِ﴾ وحده ﴿يَسْجُدُ﴾ ويخضع ﴿مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الملائكة والجن والانس لظهور عظمته للكلّ ، ونفوذ إرادته في الكلّ ، ومقهورية الجميع تحت قدرته ، فان كانت إرادته موافقة لاشتياقهم كالايجاد والاغناء والصحة ، كان انقيادهم له ﴿طَوْعاً﴾ ورغبة ونشاطا ، وإن كانت مخالفة له كالاعدام والإفقار والإسقام ، كان انقيادهم له اضطرارا ﴿وَكَرْهاً﴾ .
والحاصل أنّ السجود على ما قيل هو الانقياد التكويني ، فان كانت التغييرات الحاصلة في الأشياء بارادته تعالى موافقة لطباعها يكون انقيادها لها بالطوع ، وإن كانت مخالفة لها يكون انقيادها بالكره.
﴿وَظِلالُهُمْ﴾ يسجدون بهذا المعنى لله ﴿بِالْغُدُوِّ﴾ والصباح ﴿وَالْآصالِ﴾ والأعصار ، في أول النهار وآخره ، وهما كناية عن جميع الأوقات من النهار ، وإنما خصّهما بالذّكر لكثرة ميلانها فيهما.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « وسجدت له بالغدوّ والآصال الأشجار » (٢) .
وعن القمي : ظلّ المؤمن يسجد طوعا ، وظلّ الكافر يسجد كرها ، وهو نموهم وحركتهم (٣) .
وعنه أيضا : تحويل كلّ ظلّ خلقه الله هو سجوده لله ؛ لأنّه ليس شيء إلّا له ظلّ يتحرّك بتحريكه ، وتحويله (٤) سجوده (٥) .
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٦١ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٢.
(٢) نهج البلاغة : ١٩١ / الخطبة ١٣٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٣.
(٣) تفسير القمي ١ : ٣٦٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٣.
(٤) في المصدر : وتحريكه.
(٥) تفسير القمي ١ : ٣٨٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٦٣.