لك أعنّة الخيل تغزو عليها » قال : أو ليس ذلك إليّ اليوم ؟ وكان أوصى إلى إربد إذا رأيتني أكلّمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف ، فجعل يخاصم رسول الله صلىاللهعليهوآله ويراجعه ، فدار إربد خلفه ليضربه ، فاخترط من سيفه شبرا ثمّ حبسه الله ، فلم يقدر على سلّه ، وجعل عامر يومئ إليه ، فالتفت رسول الله صلىاللهعليهوآله فرأى إربد وما يصنع بسيفه ، فقال : « اللهم اكفنيهما بما شئت » فأرسل الله على إربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته ، وولّى عامر هاربا ، فقال : يا محمّد ، دعوت ربّك فقتل إربد ، والله لا ملأنّ عليك الأرض رجالا ؛ ألفا أشعر وألفا أمرد. فقال : « يمنعك الله من ذلك ، وأبناء قيلة (١) » يريد الأوس والخزرج.
فنزل عامر بيت امرأة سلولية ، فلمّا أصبح ضمّ إليه سلاحه ، وخرج وهو يقول : واللات لئن أصحر محمّد إليّ وصاحبه - يعني ملك الموت - لأنفذنّهما (٢) برمحي ، فلمّا رأى الله ذلك منه أرسل ملكا فلطمه بجناحه ، فأذراه بالتراب ، وخرجت على ركبته غدّة عظيمة في الوقت ، فعاد إلى بيت السّلولية وهو يقول : غدّة كغدّة البعير ، وموت في بيت سلولية ، ثمّ مات على ظهر فرسه (٣) .
﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ
كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ * وَلِلَّهِ
يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ
وَالْآصالِ (١٤) و (١٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية مجادلة المشركين في الله وإصرارهم على عبادة الأصنام ، خصّ العبادة والدعوة الحقّة المفيدة بنفسه بقوله : ﴿لَهُ﴾ تعالى خاصة ﴿دَعْوَةُ الْحَقِ﴾ التي لا مجال لتوهّم بطلانها ، كما أنّ وجوده هو الحقّ في الموجودات ، واعتقاد وجوده ووحدانيته هو الحقّ في الاعتقادات ، وعبادته هي الحقّ في العبادات.
وعن ابن عبّاس : الدعوة الحقّ قول لا إله إلّا الله (٤) .
وقيل : يعني الدعوة المجابة غير الضائعة (٥) . وقيل : يعني له دعوة المدعو إلى الحق الذي سمع (٦) فيجيب (٧) .
__________________
(١) في النسخة وتفسير روح البيان : قبيلة ، تصحيف ، وقيلة : اسم أمّ للأوس والخزرج قديمة ، وهي قيلة بنت كاهل.
(٢) في النسخة : لأنقذتهما ، والتصويب من روح البيان.
(٣) تفسير روح البيان ٤ : ٣٥٤.
(٤) تفسير الرازي ١٩ : ٢٨.
(٥) تفسير روح البيان ٤ : ٣٥٥.
(٦) في تفسير الرازي : المدعو الحق الذي يسمع.
(٧) تفسير الرازي ١٩ : ٢٩.